د :: خليفة الأسود
جلّ صراعات منطقتنا حتى وإن اكتسب بعضها طابعا دينيا أو أيديولوجيا فإن أصلها اجتماعي: (تدافع البشر من اجل السيطرة على السلطة، والاستحواذ على المال). المجتمع بناءٌ هرمي له عدة جوانب، ولا يستمر في البقاء إلا بجوانبه مجتمعةٌ ومتماسكة. فأنصار سبتمبر يرون أن (الطرف الأخضر) من الهرم هو الأساس، فيما يرى أنصار فبراير غرب ليبيا أن جانبهم هو الأقوم والأقرب لشرع الله، بينما يرى أنصار فبراير شرق ليبيا أن البناء في حاجة إلى قوة منظمة يستقيم بها الهرم. تقوم الفضائيات المتعددة التمويل والتوجّه مستغلة قابلية الجماهير للتحريض والانفعال، ببث (سرديات الصراع)، وإظهاره كأنه تنافس بين الحق والباطل.
لكل طرف من أطراف الصراع (سرده) الخاص لإقناع أنصاره، والمتناقض كلياً مع سرديات الأطراف الأخرى. وعامة الناس تنجر وتنحاز بسهولة وحتى المتعلمين منهم. ولكنّ الله قيّض للبشر قلة من الأحرار فكرياً لا يركبون موجات التحريض الغوغائي، وهم على استعداد دائم لاستعمال عقولهم النقدية، ويدفعون ثمناً باهضاً بسبب مواقفهم المستقلة. هذه القلة الرافضة للاقتداء بما وجدوا عليه آباءهم، هم سبب تقدّم المجتمعات. يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: (إن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بقدر تحرره من البرمجة التلقائية، وأنه يفقد من إنسانيته بقدر ذوبانه التلقائي في ثقافة القطيع).