المهدي جاتو
إن الله أوجب على الأمة الإسلامية طاعة ولي الأمر فيما يرتضونه لمصالحهم ، وهؤلاء سن الله لهم قانوناً يسيرون عليه ليقيهم من الوقوع في أخطاء قد تجر الدولة إلى الخراب وهذا القانون هو الشورى وهو الآن الدعامة التي يقوم عليها النظام الديمقراطي . فالشورى قاعدة من قواعد الشريعة ولهذا نجد في القرآن سورة سميت باسم (( الشورى )) وفيها يمدح الله المؤمنين الذين اتخذوا المشورة قانوناً لهم في أعمالهم ، قال الله سبحان : ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) الشورى : 38 . قرن الله في هذه الآية نظام الشورى بالصلاة والصدقة ليدل على أن الشورى بين ولاة الأمر من أسس الإسلام وأن الاستبداد ليس من شأن المؤمنين .
ويقول الله مخاطباً رسوله : ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) آل عمران :159 . أمر الله رسوله أن يشاور أمته في الأمر العام من شؤونها . وقد ثبت أن رسول الله قد استشار المسلمين قبل أن يخرج لغزوة احد ، وأنهم أشاروا عليه بأن يخرج لقتال أعدائهم ، وكان من رأيه أن يبقى بالمدينة مدافعاً .ولكنه نفذ ما أشاروا به وخرج ، وانتهى الأمر بهزيمة المسلمين . فالله سبحانه قال لرسوله : ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) أي لا يحملك ما كان من نتائج المشاورة على أن تتركها بل شاورهم في الأمر . وهذا يدل على أن الله سبحانه يريد أن تكون سياسة المسلمين قائمة على مبدأ الشورى ، وأن لا يستبد بها فرد مهما كانت نتيجة المشاورة . فإذا كانت الشورى واجبة على رسول الله ، وهو الذي يمتاز بكماله العقلي والروحي واتصاله بالوحي الإلهي ، فهي على غيره أوجب ، وقد ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن النبي كان غنياً عن المشاورة ، ولولا إرادة الله جعلها قاعدة شرعية لما أمره بها ، وقد ثبت أن النبي شاور أصحابه في كثير من الشؤون التي لم ينص عليها القرآن ، وكان يعمل بما يظهر له أنه الصواب .
والشورى التي أوجبها الإسلام لا يفهم منها انها لمجموع إفراد الأمة أو للأكثرية المطلقة فيها لأن القرآن تكررت فيه الآيات التي تنص على أن الرأي والفضل والعلم ليست من صفات أكثر الناس على النعيم ، وهذه أمثلة مما جاء في القرآن : ( وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) الأنعام : 116 . ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يقلون أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) الفرقان : 44 .وإذا كانت طاعة الكثرة الجاهلة تضل عن سبيل الله فليس من الصواب أن تكون لهم المشورة وإنما ترجع الشورى إلى أهل الرأي والحكمة بدليل قوله تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
النساء : 83 . والذين يعلمون الأمور أحق بالمشاورة من الذين لا يعلمون ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) الزمر : 9 . أوجب الله الشورى على المسلمين ولم يبين كيفيتها ، لأن تفصيل النظم الشورى والطرق التي تكون بها لمماً يختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية فمن العدل أن تقرر الشورى وأن يترك لكل أمة أن تضع نظمها التفصيلية بما يلائم حالها ويتوافق مع مصلحتها .