(عبد الحق القريد)
قد يستغرب كثيرون العلاقة بين اللفظتين فكلاهما تمثل معنى مستقل فالانتماء اختيار تفرضه طبيعة البيئة وتأثير التربية ومناهج التعليم وسلوك الأسرة، بينما الاخر فعل قصرى يمارس بقوة خارجية على الفرد والجماعة، ومن تم فإن الانتماء شعور داخلي للفرد والجماعة يفرض عليه وعليهم التضحية لأجل الارض التي يحيون فوقها ويعتبرونها موطنهم، وهو ما يعرف عندهم بالوطن ليكون اغلى لديهم من أنفسهم، ومن تم لا غرابة في الموت دونه والدفاع عنه ويكتبون بكل فخر على جدران مؤسساتهم(وطن لا تستطيع الدفاع عنه لا تستحق العيش فيه)، بينما الاقصاء ربما يكون ممنهج ويأخذ طابع التهجير أو الوقوف ضد ارادة الانسان في التعبير والتفكير، وهنا مربط الفرس ومن هنا تكون العلاقة بين الانتماء والاقصاء وكانت خطط الاعداء وتفننهم في إقصاء المنتمي الى حيث يبغون بطريقة لا تخطر على تفكيره ولم تكن من مفردات تعبيره فيصلون بجيل تال لجيله الى توجيهه وجهة لا يرضاها بداية، تم يتعايش معها كموضة تكتسح شارعه وتدخل محيطه وتصل إلى قريته، فينحرف الشارع ويتشكل المحيط بغير رسمه وتتدهور سلوكيات القرية لتفقد المدينة طقوسها وتتخلى القرية عن اخلاقها، ويصبح رؤية الشباب يرتدون (الشورت) أمر مألوف ومنظر غير مقزز، وتنقلب معايير التقييم، فيقلد الكهل ابنه ويرتدى (شورتا) مثله ويضع سلسلة برقبته، وتنهار نفسية المجتمع فلم تعد قادرة على المقاومة حتى من باب تغيير المنكر بالقلب، أما اليد فذلك أمر في غاية الصعوبة، ومن تم يكون الاقصاء الذى مارسه العدو من خلال لعب دور الصديق والمساعد والمنقذ، الذى رحل إلى المحيط الذى عمل على اجتياز جداره منذ زمن بالقوة العسكرية واتضح له عدم جدوى هذا الاقتحام، فقرر تغيير قواعد اللعبة ليجعل من الصور والمسلسلات والأفلام والكلام والانحلال والبعد عن الدين والحرية المطلقة والدمقراطية الزائفة وحرية التعبير والإعلام بكل فروعه وامكانياته وادواته سلم الى الهبوط لوسط المجتمع، وليس الصعود بالمجتمع ليبقى المجتمع المستهدف هابطا يرنوا الى الاعلى معتقداً أنه بتلقف هذه المدنية الحديثة سيصل إلى القمر ويصنع الحياة والحرية والعدالة الاجتماعية وبناء مجتمع خال من العقد الدينية وتقاليد اكل عليها الدهر وشرب، لينتفض خالعاً رداء الجد ويرتدى شورت الحضارة والتقدم، ويشارك في مسابقات المال والجمال من جمال المرأة، إلى جمال القطة والناقة، ويبنى مجتمع مدنى متحضر الذى اخترع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، كأفضل وسائل هدم عوامل الانتماء وخوض معركة الاقصاء، عن طريق الدعوة الى المساواة بين الجنسين ورعاية الاطفال وحقوق المرأة، وصنع وابتكار سبل أنجع للوصول إلى هدم قيم المجتمع، واعتبار الدين افيون الشعوب، وصناعة حروب داخلية تمكن من بناء فرق اغاثة وعناية باللاجئين والنازحين ومساعدتهم بالغذاء والدواء ومنحهم حق اللجوء الإنساني، وتدريبهم خارج مدينتهم وقريتهم ومحيطهم، ليغرسوا فيهم حب التحرر من القيود التي كانت مفروضة عليهم.
ومن هنا ندرك حجم المؤامرة والدور المشبوه الذى تلعبه المنظمات الدولية غير الحكومية، وهى التي في حقيقتها آخر صراعات الجيوش لهدم الدول وتقويض المجتمعات ومحو الانتماء وافساد القيم والاستهتار بالدين وممارسة البغي في أبشع صوره، إن أموال تصرف ببدخ لتحقيق انتصار عجزت جيوش جرارة على تحقيقه حققت اهداف الماسونية فى المجتمعات العربية بكل يسر من خلال ما يعرف بالمجتمع المدني ومنظماته.
إن حقيقة المجتمع المدني عند الشعوب العربية والاسلامية تختلف جذريا عنهم في غربهم، نحن من امتثل لقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد…… ) اضافة الى ما جاء في القرآن الكريم عن الجار وذو القربى واليتامى والمساكين، ونحن من عرف من رسوله مبدا التعاون والتطوع(من له فضل مال فليعط من لا مال له ومن له فضل ظهر فليعط من لا ظهر له) هذه المعاني السامية وهذا التطوع غير المشروط ان تخفوا الصدقات واعط بيمينك مالم تعلمه شمالك، هذا هو المجتمع المدني الحقيقي الذى حول يترب الى المدينة المنورة.
فكيف اليوم نرضى بالإقصاء ونتخلى عن الانتماء، بدعوة المدنية المفصلة عن الجسم الأوربي والخارجة من صفحات البروتوكولات الأربع والعشرين، والمتسللة من هوليود الصهيونية والبترودولار، الذى ارتدى من خلاله بعضنا عباءة لا تمت لنا بصلة وجلس يتفرج على هدم بيوتا كانت تشع بنور الايمان وحب الاوطان وعبادة الرحمن وتلاوة القرآن .
علينا ان نراجع انفسنا ونفطن للعلاقة بين الانتماء والاقصاء مراجعة هادئة علمية لنعرف من هم لنتعامل معهم كما نريد لا نتبع خطاهم كما يريدون .
(عبد الحق القريد)