محمد عثمونة
التحجج بالخوف من التعثر بالفشل الذي استندت عليه الجزائر وانتهى بها إلى عدم القبول بما طُرح عليها بشأن مبادرة حول ليبيا لا يجب – في تقديري – المرور على هذا الحدث كيفما اتفق . لأن التملص الجزائري عن تبني تدويل الحالة الليبية عبر مؤتمر دولي يعقد في الجزائر كما جاء وأشيع عن طلب حكومة السيد عبدالحميد الدبيبة الذي توجه به لمن بيدهم القرار بالدولة الجارة . لا يقل مضمونه في شيء عن رفض مهذب لتبني عقد مؤتمر حول ليبيا على أرضهم وقد تُؤكد هذه القراءة للموقف الجزائري . في عودة من بيدهم القرار بالدولة الجارة للقول وفي ذات الشأن بأنهم لن يتبنوا مبادرة سياسية جديدة تزيد من التشويش على الحالة الليبية. لأن ذهاب الجزائر في غير هذا الاتجاه – وبمختصر القول – ما من شيء ستجنيه ماديا أو معنويا من خلال عقد المؤتمر على أرضها .. ولكن هل ما دفع بالجزائر – واستنادا على قاعدة الربح والخسارة – نحو التحجج بالخوف من الفشل هو البحث عن ذريعة للتملص مما لا تريده؟
وهو في وجه من وجوه مُباركة ضمنية للخطوة الليبية – الليبية التي تمكنت من كسر ثنائية شرق البلاد غرب البلاد . التي يتغذى عليها التأزم الليبي , والذي قد وصلت به في بعض مراحله إلى الاقتتال بين الإخوة في الوطن. وهل رأت الجزائر في التقارب الليبي خطوة في اتجاه تفكيك التأزم الذي يعصف بالحالة الليبية؟. والذي قد يتسرب وينّتقل عبث خرابه ودماره إلى دول الجوار الليبي إن دام على حاله .وهل رأت الجزائر في الخطوة الليبية – الليبية والتي انتهت إلى تكليف جسم يتمثل في حكومة الاستقرار الوطني. ليتولى معالجة المُعضلة الليبية بادرة قد تتوج مجهوداتها إن دُعمت بمساندة محيطها الجغرافي من إمكانية احتواء التأزم والذهاب به نحو أمن واستقرار ووئام بين الليبيين . وفى هذا إبعاد ليبيا عن أن تكون بؤرة للتوتر والقلاقل في محيطها الإقليمي وحوض المتوسط. وهل مفردة (التشويش) التي جاءت على لسان من بيدهم القرار بالجزائر . في قولهم بأنهم لن يتبنوا مبادرة جديدة تزيد من التشويش على الحالة الليبية قد جاءت من خلال رجوع الذاكرة الجزائرية واسترجاعها لبعض الصفحات من تاريخ كفاح جبهة التحرير الجزائرية في ماضيه القريب . والذي قد تَشَكل وتبلور في حضن تفاعلاته نشاط تشويشي مُوازٍ لجسم اُطلق عليه مُسمى الحَرّكيين . كان هذا الجسم قد حاكى في الماضي وإلى حد التماهي ما قامت به في الحاضر الليبي ولازالت حكومة السيد الدبيبة سليلة مؤتمر الصخيرات. فقد كان من اُطلق عليهم مُسمى الحَرّكيين مُسندين مدعمين بأياد خارجية فرنكفونية كما هو الحال مع حكومة السيد الدبيبة في هذا الآن . وإن اختلفت اليد الداعمة فجاءت في هذه بصيغة أنجلوفونية . وقد كان الحَرّكيون يسعون حينها ليُشكلوا ويكونوا جسما موازيا لنشاط جبهة التحرير الجزائرية كما تسعى في حاضرنا حكومة السيد الدبيبة لتكون جسما موازيا لمُخرجات حوار ليبي – ليبي المتمثل فيما تبلور على يده بحكومة الاستقرار الوطني . وكان الحَرّكيون يسعون وبكل السبل نحو تفكيك جيش جبهة التحرير ومن ثم يكوّنوا جسما بديلا عنه كما تجتهد وتعمل حكومة السيد الدبيبة عبر تشكيلاتها المليشياوية في وقتنا الحالي وقد طال ضرر حَرَّكيّي الجزائر بلادهم كلها وفيما بعد ارتد عليهم أنفسهم . تماما كما طال الضرر ليبيا كلها على يد كل الحكومات التي جاءت من رحم ومخاض مؤتمر الصخيرات. وإذا فليس من المعقول أن تتخندق الجزائر المثقلة بتاريخ وطني مُعتبر إلى صف من يُحاكي الحَرّكيين في كل شاردة وواردة من أفعاله لأن في ذلك بعثا للحياة في أنموذج الحركيين من جديد والسعي لتعميمه على الفضاء الإقليمي لشمال غرب أفريقيا . وهذا يتنافى في جميع وجوهه مع من نعتبرها سليلة لجبهة التحرير الجزائرية. وفي الخاتمة أقول ما من سبيل لنا – في تقديري – نتمكن به من تخطي واقعنا الليبي المأزوم . بغير الولوج إليه عبر المُدخل الجغرافي . فمن خلال الاتكاء على الجغرافيا وكذا محيطنا الإقليمي نستطيع إعادة الوعاء الجغرافي الليبي إلى داخل فضائه الجغرافي الديمغرافي الثقافي الطبيعي .
وبه نؤسس للتعاطي الموضوعي مع واقع ما نعانيه من تأزم داخل بلادنا ومحيطها الإقليمي . وأيضا لكل ما يشدّنا إلى دنيا التخلف وبؤس الحياة بليبيا وبه نؤسس أيضا لأمن وسلم دوليين بليبيا وإقليمها بشمال غرب أفريقيا وحوض المتوسط الحيوى . *
موقف السفارة الإنجليزية بطرابلس من خلال معارضتها لمخرجات التقارب الليبي الليبي المتمثل في حكومة الاستقرار الوطني وبدعمها ومساندتها لحكومة السيد الدبيبة.