- أسامة رقيعة
عادة ما نستعمل كلمة ثقافة للاشارة إلى الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. وهي ليست ليست كذلك ، كما أنها ليست مجرد مجموع الأفكار الجديدة ولا القدرة على تنضيد الحكايا والقصص فقط، وإنما هي أيضا نظرية في السلوك العام تساعد على اقتراح أسلوب حياة خيرةٍ وايجابية مع رسم السبيل السوي إليها والروائي يعتبر أحد أهم الفاعلين في مجال الثقافة، لان نظرته للحياة تنطلق من بنيته الفكرية والثقافية، وهو يختلف في ذلك عن غيره من العاملين في أصناف الثقافة الأخرى وذلك أنه أذا حاول سبرَ أغوار الرواية التاريخية المبنية على وقائع معروفة فأنه لن يفعل ذلك على حدّ ما يفعل المؤرخ، بل هو سوف يُحول وقائع الحدث التاريخي إلى حكاية تظهر فيه الانفعالات الداخلية والمشاعر الإنسانية جلية وحية، بل ويضع يده على الأمور على نحو قد لا ينفصل تماما عن موقفه الأيديولوجي والسياسي والقيمي، و حينما يكتب الرواية الواقعية أو البوليسية أو رواية الخيال العلمي، فإنّه يظلّ ذا وعي سردي بالعالَم من حوله، وبكل ما فيه من مفردات مادية ورمزية.
اذا الرواية فنّ يخاطب كلّ الناس، يحكي تفاصيلهم، يسبر أغوارهم ويصفي علاقاتهم بذواتهم وبوطنهم ومحيطهم العام. إنّها فنّ يكتبه الروائي منطلقًا من نظريته الفكرية والثقافية ليكشف عن مجريات الواقع وممكناته، وينضد عبرها رؤية أحلامه لمجتمعه مستشرفًا في ذلك مواطن الجمال والخير، تجدني على ثقة في أنَّ للروائي مسؤولية اجتماعية ودورًا حداثيًّا، هما معًا ما يمثلان سندًا لكل مسيرة نهضوية لمجموعته الاجتماعية. فهو حامل شعلة الضياء الصادقة التي تنير السبيل أمام حركة الناس وتحقّق لهم العيش المشترك الحميم. وأعتقد أنَّ الرواية تقوم بالدور التنويري في المجتمع الذي تكتب فيه وله، مثلها مثل أي صناعة ثقافية أخرى، كما أنّها مصدر معلومات ثري يجعل منها بكل تأكيد مفتاحًا جيدًا يمكن أن يستخدم لفتح أبواب كثيرة، تُمكن من معالجة ما هو جدير بالمعالجة، وإعادة تدبير علائق الناس بعضهم مع بعض من جهة، ومع وطنهم من جهة ثانية تدبيرًا حسنًا. غير أنَّ مثل هذه المهام تفترض صبرا كبيرا، والطريق إلى تحقيقها طويل، بل هو محفوف بالمخاطر ولكنه طريق مأمول وضروري بالنسبة إلينا جميعًا.
في العالم العربي نتمتع بوسط ثقافي واجتماعي غني الدلالات، ولنا ذاكرة ثَرةِ المفردات الرمزية والمادية، كما نشهد حراكًا ثقافيًّا جيدا إلى حدّ ما، غير أنه يحتاج إلى دور مؤسساتي ينميه، وإلى رعاية دائمة من قبل الجمعيات المختصة. ولا يخفى أنَّ هناك الكثير من الكتاب العرب نجحوا في ربط المفردة التخييلية بذائقة القارئ العربي، وفيهم مَن ترجمت أعمالهم إلى عدة لغات عالمية حية، وبعض منهم كتبوا أصلاً بلغة أجنبية، وعلى الرغم من كل ذلك، دعني أقرّ بأنَّ كلّ هذه التجارب والنجاحات ، إنما تظل تجارب ومجهودات تحتاج إلى مؤسسة الدول وجهود المجتمعات حتى تينع أوراقها، أي هي تحتاج إلى أن يُعنى فيها بشؤون الكتاب والمبدعين أينما كانوا بمنهجية وطنية، عبر اقتراح رؤية ثقافية تساعد على إيصال الصوت المبدع العربي إلى العالم، لان بالتخطيط المؤسساتي تتمّ صناعة التاريخ الثقافي للأمم، وليس بالاجتهادات الفردية فقط على الرغم من أهميتها .
ففي العصر الحديث الذي تلاشت فيه الحدود والفواصل تقل وَجاهة النجاحات الثقافية الفردية، أو التي تحققها المجموعات الصغيرة، ولذلك علينا أنْ نؤمن جميعا بأننا في قارب ثقافي عربي واحد، نحتاج من أجل إبحاره نحو غايته أن نُعلي من قيمة الكتاب والعلم والثقافة والمثقف، وأن نحرر بالفن الجيلَ الجديد من شبابنا من عقدة التهميش والابتذال وعدم الثقة في المستقبل