- الثريا رمضان
تقول الغريبة والمطر زخّات خفيفة تدقّ على زجاج النّافذة: قطرات المطر تسلّم على أصابعي، أتريْن؟ لعلّها صبايا أحلامهنّ نامت طويلا في غيمة منسيّة، وآن أوانٌ تتذكّرها فيه أمّنا الطبيعة بشيء من الحريّة، لعلّ تصيرُ حياة وحقيقة. تخيّلي هذه الأحلام تتطاير على وجنات الشّبابيك، تلقي التّحايا على الجالسين أمام شاشات التلفاز يشاهدون أخبارا عن انفجارات في أكرانيا وزيارات الرّئيس الفلانيّ للقرية الفلانيّة، والثّلج الذي تراكم على ظهور الجمال في بلاد الخليج، بينما، والحديث للمذيعة الممتلئ وجهها مكياجا، تشتعل بلاد شمال إفريقيا حرارة. تخيّلي هذه القطرات أحلام تتجهّز لترطيب قلوب الذين تعلّقوا بأمنية ما. تخيّلي اللواتي التهمهنّ الأرق ليلا وهنّ يدعين الأرباب والسّماوات أن ينصفوهنّ.
بل هنّ وهم، وهم كثر هائمون في الأسقف يحدّثون الفراغ، أحلامهم رقدت طويلا أيّتها الغريبة، أتعتقدين أنّ ثمّة في هذا الكون ما يخلق لكلّ شخص ملامح حقيقيّة لحلمه؟
أبدّل سؤالك يا صديقتي، قالت الغريبة، ثمّ ابتعدت عن الشّباك مبتسمة: أتعتقدين أنّ هذا الكون عادل بما يكفي ليحقّق أمنيات ترقد في الوسائد والغيوم والألحفة التي أتلفتها الحكايا والدّموع والضحكات والآهات المكتومة والمفضوحة؟
الدّموع نفسها لا تثبت أنّ الحلم أهل لصاحبه. ثمّة نفوس ظَلمتْ وتجبّرت ثمّ عادت لتبكي. ثمّة قلوب ظلمت كثيرا، وها هي الآن تتساءل لمَ “تُظلمُ”؟
قلتُ وأنا أتفرّس في حلم ما استطاع التحرّك من مكانه خلف الشّباك: ثمّة ملامح تسقط تباعا من قلوب أحبّتها طويلا. الذين رموا نعمة الحب، لا بدّ للحبّ أن يرميهم يوما في قاع البكاء. ثمّة وجوه التهمها الزمن وهي غير مبالية لما يحصل حولها، أو ما قد يحصل يوما ضدّها، أو ما قد ينفجر يوما في تجاعيدها. ثمّة وجوه أتلفها الوقت وهي تنام غير آبهة بأوجاع من حملها طويلا.
قلتُ، والشّباك يزدان بالأحلام الشّفافة: أتعرفين ما يعنيه هذا أيّتها الغريبة؟
قالت، وهي تتفرّس في سماء باريس المقدّسة: هو البحث في الدفاتر القديمة، والدّيون التي تتراكم على غفلة. إنّها الكارما يا صديقتي، تدور وتحاسب الجميع على ديونهم القديمة.
خذي منّي الحكمة واجلسي مثلي طويلا بين ثنايا الوقت تتأمّلين الحياة بلا خوف ولا جزع كي لا تضلّي الطريق.