- نجاة الظاهري
وكان أبي يمشّطُ بالأغاني
رياحاً قبّلتْ قدميهِ عصرا
يداعبها ببسمته، وفيها
يرى ما لا يُرى.. سكَناً وشِعرا
ويدخلُ كفّهُ فيها كما لو
يموسقها.. لترقصَ أو لتبرا
تُموّجُ بين لحيتهِ يديها
وترفعُ ثوبه الفضفاض شبرا
كأنّ الريحَ بنتُ أبي، لهذا
عليها مدَّ في الإنصاتِ صبرا
تعانقهُ إذا احتاجتْ حناناً
وتُعليهِ إذا ما احتاجَ إسرا
تواسيهِ إذا اشتدّتْ عليهِ
ليالٍ ضُمّختْ وجعاً وذكرى
يواريها عن الشمسِ اعتناءً
يقلّدها المسا نجماً وبدرا
يؤرجحها على النخلاتِ طيراً
ويجريها على الأفلاجِ بشرى
يعلمها الصلاةَ إذا تمنّتْ
ولم تمدد لها الآمالُ جسرا
يعلمها النجاةَ إذا عليها
تُساقطُ غادياتُ الهمِّ صخرا
يعلمها الكتابةَ.. دون حبرٍ
فمن يحتاجُ فوقَ الرملِ حبرا؟
يفرّقها ويجمعها، يقيناً
بأنّ الريح لا تعصيهِ أمرا
لقد كانت بقربِ أبي اعتناقاً
لمبدأِ أن يعيشَ المرءُ حُرّا
وبعد أبي، غدا للريحِ قبرٌ
وحبلُ الأرضِ من صوتٍ تعرّى