بقلم :: أبوبكر عبد الرحمن
مالذي يمنع الضباط وضباط الصف ليلتحقوا بالمؤسسة العسكريٌة في المنطقة الجنوبيٌة؟ مالذي ينقص أولئك الجنود عن تأدية أقل واجب يتمثُل في تسجيلهم الحضور بمقرُاتهم الرسميٌة في حين أنٌ غيابهم لا يفسر ولا يبرر مهما كانت قوة القناعة لتلك المبررات. إنٌ العسكريٌ الذي لا يلتحق بمقر خدمته ويؤدي واجبه الذي يتضمن أول بند من بنود أساسه العسكريٌ فرض الأمن وتوفير الحماية البشريٌة و المؤسساتيٌة والمواقع الحدوديٌة التابعتين للدولة: فهو أول سبب رئيسي في دمار المؤسسة العسكريٌة، في المنطقة الجنوبيٌة، الذي نتج عنه فراغ أمني استغلته حتى الحركات الخارجيٌة التي لا تبدأ أهدافها الجيوإقليمية بتعزيز نفوذها والسيطرة على المواقع اللوجستية كالمطارات المدنيٌة والعسكريٌة والقواعد و استعمار القرى في الجنوب السفلي و فرض الأتاوات على المارٌة و السعي لتغيير ديمغرافي ولا تنتهي بانفصال الجنوب الليبيٌ كسيناريو انفصال منطقة أوزو في 1972. وأكثر من ذلك، كنتيجة حتميٌة لغياب الأخير. فكل القرى والمدن الجنوبية إلى هذا اليوم تحت وطأة الحركات الاستعمارية الغازية، كالمعارضة التشادية FACT و والنيجيريٌة و السودانية ومن يدعمها من التشكيلات المسلحة من الداخل، مثلما سقطت “أوزو” قبل عقود مضت، بنفس التكتيك الجيوقبلي الاستيطاني ذو الأبعاد الإقليمية. ولم يبقَ سوى آخر سد يعرقل ذلك الامتداد في سبها بعد أن فشلت محاولاته في الجنوب الشرقي بالكفرة. لقد تم إيهام أولئك الذين لا يعرفون عن الجنوب إلا تمره وحقوله النفطية بأن مايجري هو حرب قبلية، وقد مرروا ذلك بخداع الكثيرين بالفعل،” حتى العسكريين الذين استهدفت تلك الحركات مقرٌاتهم”. العسكريين الذين ينتمون إلى القبائل في سبها إما متعللا بعدم مشاركته لمحاربة هذا المد الأسود القادم من وراء الحدود بنزاعات شخصية قزمية من البجاحة أن تذكر، وأما العسكريون الذين ينتمون إلى المزارعين الفزازنة فلم تكن هذه قضيتهم، ولن تكون لهم قضية يوما سوى مزارعهم وشعيرهم فحسب فقد انسحبوا هم كذلك، ومبرر أولئك “المتخاذلون: لأنه لا يوجد مصطلح آخر يوصفون به” : إما مبرر أن هناك حكومتان في الشرق أو الغرب؟، والحجة التي تفند هذا المبرر: أنهم يستطيعون كعسكريٌي المنطقة الجنوبيٌة الاجتماع بجهود شخصيٌة ودوافع وطنيٌة وفرض الأمن فمن غير المعقول أن أكثر من خمسة آلاف عسكري ولا أحد يمتلك حساً وطنياً لمدينته وليس بلاده حتى. وإما مبرر أنهم يخافون من عمليات الخطف و التصفية مثلما حدث لعسكريٌي بنغازي إذا ما عرف خصومهم أنهم يزاولون خدمتهم. والحجة التي تفند هذا المبرر هو الاستعراض العسكريٌ الذي أقيم في بنغازي نفسها. أو مبرر أن أرزاقهم و أراضي مزارعهم ومواشيهم و حصادهم الموسميٌ من الخضار والفواكه والقضب والشعير تحت سيطرة أولئك المسلحين، فلا حجة يرد بها على هذا المبرر سوى ما خسرناه من ضحايا فراغ أمني وضياع دولة فالعار، كما يقول المثل الشعبي، أطول من العمر. مما نتج عن ذلك، خلال الفترة الماضيٌة، إغلاق الطريق، لسبعة أيام فحسب، ثم أغلقها أولئك الانفصاليون “عن شمال تشاد وجنوب ليبيا” تلك الطريق المؤدية بالمواطنين سوية من سبها إلى باقي مناطق الجنوب السفلي، بسبب مبرر أن مقر اللواء العسكري يقلص من نفوذهم في تلك المنطقة من فزان، فصفٌق لهذه الشائنة حكماء فزان سوية، على اعتبار أن المسألة لا تزال قبلية، فيما أعلنت كل قبيلة من جهتها أنها ليست معنية بالخلاف. إن االتعدي على المقرات الحكومية وإغلاق الطرق العمومية لهو فعل لايبرر مهما كان توجه فاعله أو انتماؤه، وسوف ينسب هذا الفعل للفاعل كفرد، لا كمكون أو كقبيلة كما وقع حكماء فزان في هذه المغالطة التي في أسوأ أحوالها سوف تبرر لتكرار هذه التجاوزات والأفعال، قبيلة التبو، وبسبب عدم ملكية أغلبهم للرقم الوطني كونهم قدموا مؤخرا من “أوزو” لن يحل تلك المسألة إغلاق الطرق واستعمار المناطق بمساعدة الحركات الخارجية وتأزيم الوضع بتبني النعرات القبلية والإثنية ومهاجمة المؤسسات وإغلاق الحقول، لأن الدولة وحدها من لها الحق بتسجيلهم ضمن مواطنيها أو رفضهم. لا القبائل العربية ولا المؤسسات. رغم أن بعض المواطنين في الجنوب وحتى اللحظة يعانون نفس هذه المشكلة. إن المؤسسة العسكرية لا تمتلكها القبيلة بقدر ما يتوجب على الأخيرة دعمها والحفاظ على كيانها. وهذا الواجب مكفول به الجميع في فزان، على عكس مانرى اليوم من تخاذل و اختلاق أعذار وتعلل بنزاعات قزمية أفضت بالجنوب إلى ما أفضته اليوم واهتمام الجانب التشادي بقضاياه أكثر من الجانب الليبي نفسه. عندما حضرت ، الملتقى الوطني الليبي الذي أقيم في بيت الثقافة بسبها، دار جدل حو هذه القضية بالذات، وهي غياب دور الأفراد العسكريين من المنطقة الجنوبيٌة عن مؤسساتهم، تكلم حينها اللواء فرحات محمد حمزة- تراغن عن ميكانيزمات الجيش وتراتبيته وأن هذه المؤسسة العسكريٌة، في ظل انقسام الشرق والغرب، بحاجة إلى أب روحي يمٌكنها من تأدية دورها، و أبدى انزعاجه لمٌا سمع تعقيبي عن تلك المسألة، وتحفظ ساخطاً على كلمة “المتخاذلين”، ويبدو أن مبرر اللواء – وهو بالمناسبة كان آمراً لوالدي في محور فايا 1983 في حرب تشاد – قد أبطلته تلك الصورة للماريشال على ورقة مواقيت إمساكية شهر رمضان، وقد دحضت جلٌ المبررات التي يستميت العسكريون “المتخاذلون إن جاز وصفهم” عنها، ليس ابتداءً من تعيين آمر للمنطقة الجنوبيٌة وآخر لمقر اللواء السادس، وليس انتهاءً من توفر التجهيزات و المقرٌات اللازمة والآليات و إمدادات التموين. فهل يحتاج هذا الجيش المؤلف من خمسة آلاف عسكريٌ والذي خصصت مرتباته من الميزانيٌة شبه المتهالكة، إلى خدمة الزائرات (خ.ز.ح.م.ح.ت) ليقوم بأقل دور يتوجب عليه القيام به مثلاً؟