الأديب العراقي أحمد الحاج لفسانيا : أنا مسكونٌ بهاجس الكتابة والخيال !

الأديب العراقي أحمد الحاج لفسانيا : أنا مسكونٌ بهاجس الكتابة والخيال !

حاوره :: سالم الحريك

سالم الحريك

شغوف بالأدب منذ نعومة أظفاره ويحلم أن يكون له إسم في عالم الأدب، تنوعت إهتماماته بين القصة والشعر والترجمة والنقد يجمع بين الإبداع والموهبة والتخصص. لديه خطة لإنجاز الكثير من المهام في عالم الأدب لديه العديد من المؤسسات الثقافية والمراكز العلمية والشخصيات في كل دول العالم وبشتى اللغات ويعمل مستشاراً ثقافياً أو نقدياً أو عضو في هيئة الأمناء، أو عضوا مؤسسا في أقسام أخرى. حوارنا مع الأديب العراقي أحمد الحاج.

بداية من هو أحمد الحاج وكيف تقدم نفسك للقراء الكرام؟

أحمد الحاج هو ذلك الفتى القروي الذي يتجول في وديان وتلال ومزارع قريته ويجلس في سفوحها منعزلا يقرأ مجلات الفتيان التي يشتريها من مدخر مصروفه اليومي ويتخيل يوما ما أن يجد اسمه وصورته على عمود صحفي أو بيت شعر أو قصة قصيرة ، فمنذ نعومة أظفاري وأنا مسكوناً بهاجس الكتابة والخيال والابحار في عالم الأدب والمعرفة ولعل من المفارقة أن أقول لك بأن للقرية دوراً كبيراً في بلورة خيالي الفطري وتأملاتي وأحلامي. فعلى الرغم من أني لم أعش في القرية سوى مرحلة الطفولة والمدرسة الابتدائية، إلا أني مازلت مسكونا بهاجس القرية بهدوئها ورومنسيتها وقسوتها التي ما تنفك تطاردني، لذلك تجدها حاضرة في كتاباتي الشعرية والسردية والنثرية، حتى الأساطير التي كانت ترددها لنا الجدة ونحن صغار نتسابق لحجز مقعد بالقرب منها في ليالي الشتاء الباردة الطويلة والمخيفة ما زالت صداها يتردد في أذني، وقد ضمنت قسماً منها في كتاباتي السردية والشعرية.

الأديب العراقي أحمد الحاج

حدثنا عن بداية دراستك ورحلتك العلمية كيف كانت أولى بداياتك مع عالم الحرف والكلمة؟

في البدء لا تنس دور الوالدين في تشجيعي على الدراسة وكسب العلم فقد كانا يتوسمان فيَّ النبوغ المعرفي منذ مراحل تعليمي الابتدائي وحتى مرحلة التعليم الجامعي، ومن المفارقة اللطيفة التي حصلت معي في القرية أن معظم شيوخ القرية كانوا يشاطرون والدي نفس الشعور وكانوا ينظرون ألي نظرة خاصة عن أقراني. وقد ظهرت أول بوادر التفوق لدي مع درس الإنشاء والتعبير، حيث كان المعلم يطلب مني قراءة نصي أمام التلاميذ كونه أفضل نص وكنت أحصل على أعلى درجة. وقد كان المعلم يشجعني ويمدني بعدد من قصص الفتيان من مكتبة المدرسة. وفي الثانوية كانت المكتبة مكاني المفضل وفيها قرأت المعلقات السبع ودواوين المتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي تمام، واذكر مرة صديق لي أعارني رواية محمد عبد الحليم عبد الله “شجرة اللبلاب”، وهي أول مرة أطلع فيها على السرد، ثم تلتها مجاميع جبران خليل جبران والمنفلوطي. لأنطلق بعدها برحلة أسطورية مع ابراهيم الكوني عبر الصحراء الكبرى، وتزامنت مع رحلة بحرية برفقة حنا مينا في ثلاثية البحر، بعدها اتجهت شرقاً برفقة عبد الرحمن منيف وألف ليلة وليلة. وبعد التحاقي في كلية الآداب كان لزاما علينا قراءة روايات شارلوت وايميلي برونتيه وتشارلس ديكنز والشيخ والبحر، وقد كانت رحلة شاقة مع هاملت وماكبث ومسرح العبث، وقصائد وليم ورودز وورث والفرد تنيسون وكيتس، وأذكر مرة أنى اشتريت ديوان الشاعر تي إس إليوت من أحد معارض الكتاب في الكلية. وقد نشرت أول مقالة وأول قصة كتبتهما في صحيفة الحدباء التي تصدر في مدينتي الموصل عندما كنت طالباً في الصف الثاني في الكلية، وأذكر في وقتها بأن عميد الكلية الاستاذ الدكتور صلاح الدين أمين طه (يرحمه الله) قد استقبلني في مكتبه واشاد بالمقالة التي كتبتها وأراني الصحيفة وعدها نشاطاً ثقافيا للكلية، وبعدها بعام واحد فزت في مسابقة الفنون الإبداعية بالجائزة الأولى عن مقالة ترجمتها في مجلة نيوزويك عن فضيحة بل كلنتون ومونيكا لوينسكي. كما نشرت أول عمل مترجم كان بعنوان “رولان بارت: بطاقة ثقافية” في صحيفة نينوى عام 1999.

نقرأ في سيرتك أولاً دراستك لصحة المجتمع، كيف كان هذا الخيار هل جاء عن رغبة أم أن الظروف من فرضت ذلك؟

دراستي لصحة المجتمع كانت عرضية، فكما أخبرتك بشغفي بالأدب منذ نعومة أظفاري، إلا أن القبول في الجامعة لم يكن يخضع للأهواء ولا للرغبات، وانما لقوانين القبول المركزي وبناء على معدل الطالب وحاجة كل قسم لعدد من الطلاب بالاضافة لحاجة المجتمع لكل تخصص، ومن المفارقة في الأمر أن معدل درجاتي كان مرتفعا في مادة البيولوجي بدرجة إمتياز مثلما كان مرتفعا في مادة اللغة والأدب العربي. ولكن لم يقف هذا التخصص عائقا أمام توجهاتي الادبية إطلاقا، فكلاهما يصبان في مصب واحد، فمثلما تعرف حضرتك صحة المجتمع تعالج الجسد فرداً فرداً، بينما الأدب يعالج الفكر بشكل جماعي. غير أن الفرق الجوهري بينهما، هو أنني قد أكون نجحت في الأولى، إلا أنني لازلت في بداية الطريق في الثانية ورحلتي فيها محفوفة بالفشل ربما.

بعد دراستك لصحة المجتمع وتقريبا بحوالي 10 سنوات تحصلت على بكالوريوس ترجمة آداب، هل كان هذا التحول الأهم في مسيرتك ربما لتعزز حبك للآداب إلى دراسة أكاديمية ؟

في الحقيقة، عندما حصلت على دبلوم في صحة المجتمع بتقدير ممتاز في عام 1990، كان هذا التقدير يؤهلني لدخول كلية العلوم أو الطب، ولكني فضلت كلية الآداب كي اجمع بين الهواية والتخصص في اللغة والأدب، وقد اخترت قسم الترجمة كي تتاح لي فرصة الإطلاع على الآداب العالمية باللغة الإنجليزية بعد أن قرأت الكثير في الأدب العربي.

حدثنا عن مرحلة دراستك في كلية الآداب لتخصص الترجمة وكيف كانت تلك الفترة وما الذي أضافته لأحمد الحاج فيما بعد؟

عندما التحقت في كلية الآداب في السنة الدراسية 1994/ 1995 كانت مرحلة الدراسة صعبة جدا من حيث الحالة المادية، ومن حيث التدريس، فقد كان تدريس مواد علم اللغة العام والترجمة والادب الإنجليزي والنحو المقارن صارم جدا ويحاضر فيه اساتذة كبار كلهم بدرجة أستاذ أكاديمي مثل الدكتور محمد باسل العزاوي، والدكتور المرحوم أمين البامرني والدكتور ربيع محمد قاسم آغا، والدكتور محمد عبد الله الملاح، والدكتور المرحوم زهير غانم فرحان العجراوي، والأستاذ كنعان عبدالله العبيدي، والدكتور عبد الجبار جاسم الخشاب، والدكتور أزهر السمان، والدكتور جاسم محمد حسن، والدكتور أنيس بهنام، والدكتور مصباح داود السليمان، والأستاذ رعد، والاستاذ خالد والاستاذ أكرم احمد شريف والدكتور يوسف البستاني، وفي اللغة العربية كان الدكتور عبد الوهاب العدواني، والدكتور حازم سعيد، وكلهم من الضالعين في اللغة والأدب والترجمة، يضاف إلى ذلك ظروف الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على العراق في وقتها وحاجتي للعمل وكسب قوت يومي، ولكن مع ذلك واصلت الدراسة وتخرجت بعد خمس سنوات، وقد أتاحت لي الدراسة الإطلاع على المدارس اللغوية التي بدأها دي سوسير وطلابه، ومدرسة بلومفيلد والبنى التوليدية لنعوم تشومسكي، كما أتاحت لي الفرصة في قراءة الأدب الإنجليزي بلغته الأصلية، وهذا ماساعد ربما من كثافة النص وتنوع المفردة لدي.

بين الترجمة والشعر والقصة والرواية إلى جانب النقد والجانب الأكاديمي، أيهما يشغل الحيز الأكبر من سيرة أحمد الحاج؟

على الرغم من أن اهتماماتي موزعة بين الجميع بالتساوي، إلا أنني بدأت بنشر القصة القصيرة قبل، إذ صدر لي مجموعتين قصصية، ثم اعقبتها بديواني الشعري الأول، والآن اعكف على إتمام ديواني الثاني ومجموعة قصصية ثالثة بالإضافة إلى روايتين وعدد من المسرحيات. أما في النقد فلم انجز كتاب مستقل وانما بحوث ودراسات منشورة في الكثير من الصحف والمجلات، ولدي دراستين نقديتين صدرت في كتاب مشترك عن دار الإنتشار العربي، ودراسة نقدية ثالثة ستصدر قريبا في كتاب مشترك مع مجموعة نقاد في لندن. وتراودني فكرة جمع الدراسات النقدية في كتاب مستقبلا. أما في حقل الترجمة فقد ترجمت الكثير من البحوث والدراسات العلمية والأدبية وفي شتى حقول المعرفة لصالح جامعات ومؤسسات علمية وثقافية ولم أنشر منها إلا القليل القليل والسبب هو عامل الوقت الذي كلما حاولت أن أدركه ينفلت بين يدي.

أعمالك المترجمة أغلبها أو جميعها مترجمة من الإنجليزية إلى العربية. هل تنوي مستقبلاً الترجمة من العربية إلى الإنجليزية؟

أنا بدأت الترجمة منذ كنت طالباً في الصف الثالث في قسم الترجمة وكان أول كتاب ترجمته من اللغة الانجليزية لرحالة أجنبي من اللغة الانجليزية، ثم كنت اترجم لزملائي من طلبة الدراسات العليا عدد من البحوث والدراسات المنشورة في مجلة اللغة والأدب العالمية وبعض المراجع التي يحصلون عليها، كما كان علي ترجمة الملخصات باللغة الانجليزية التي توضح مكونات الرسالة والعنوان واسم الباحث والمشرف، الى أن اسندت لي ترجمة رواية “أنيس في بلاد العجائب” للروائي ناهض الرمضاني وصدرت الترجمة باللغة الانجليزية عن دار صحارى عام 2011، بعدها اتجهت الى ترجمة المصادر النقدية والاهتمام بالمصطلح النقدي وهذا تجده ظاهراً للعيان في دراساتي النقدية المنشورة في الصحف والمجلات العربية بضمنها المناهج النقدية الحديثة، وقد قدمت عدد من الندوات في الأدب المقارن. وفيما يخص الترجمة من العربية الى الإنجليزية فعندما تفكر في ترجمة ـ مثلاً ـ قصائد شعرية أو قصص فعليك إيجاد دار نشر أجنبية ترعى هذا المشروع وتجد لك منافذ تسويقية له، أو أن تتحمل أنت كامل التكاليف وتوزعه مجاناً وهذا صعب جداً في الوقت الحاضر في ظل جائحة كورونا وغياب المؤسسات الأكاديمية والمراكز العلمية والثقافية التي تدعم هكذا مشروع في الوطن العربي.

على سياق ذكر جائحة كورونا حفظكم الله. هل منحت الجائحة وقت إضافي وفرصة مضاعفة للأدباء والكُتَّابْ لزيادة نتاجهم الأدبي؟

ربما هي منحتهم الوقت الكافي لفتح عدد من الأدراج المغلقة ونفض الغبار عن الكثير من الملفات والمسودات، وقد منحتني فرصة اصدار ديواني الشعري “وطن بلا” ومجموعتي القصصية الثانية “لوليث”. ولكنها في نفس الوقت اغلقت في وجهنا المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الأدبية والثقافية، كما أنها أضرت سوق الكتب كثيراً وحجبت الكثير من معارض الكتاب الدولية والمحلية.

ما تقييمك اليوم لواقع حركة الترجمة من وإلى العربية العراق تحديدا وحسب معرفتك ببقية الأقطار العربية؟

ليس بالمستوى المطلوب أبداً، والسبب مثلما قلت سابقاً غياب دور المؤسسات العلمية والثقافية الداعمة لمشاريع الترجمة، ولكن لو أردنا وضع تصنيف توبولوجي فنجد لبنان في المقدمة ودول المغرب العربي تونس والمغرب والجزائر لقربهم من الثقافة الفرنسية، أما الترجمات في العراق عادة تنقل من اللغة الإنجليزية الى العربية، ومن كبريات الكتب التي ترجمت في العراق كتاب علم اللغة العام لمؤسس علم اللغة دي سوسير وكتاب البنيوية والتفكيكية ترجمت على يد الأستاذ الدكتور يوئيل يوسف عزيز، كما ترجم جبرا ابراهيم جبرا مسرحيات شكسبير. وهناك ترجمات أقل بكثير من اللغات الحية الأخرى مثل الألمانية والإيطالية والإسبانية والروسية والصينية واليابانية، ونحن في أمس الحاجة للاطلاع على ثقافة وأدب هذه الشعوب والتفاعل الخلاق معها وتبادل المعرفة خاصة ونحن نعيش في فضاء القرية الكونية.

من نظرة أكاديمية. هل تتفق أن اللغة العربية ربما هي الأكثر غزارة والأكثر قدرة على احتواء النتاج الأدبي لمختلف اللغات وهذا ما يعطي راحة وقدرة أكبر على ترجمة الأعمال من اللغات الأجنبية إلى العربية بشكل أكبر؟

نعم أتفق أن اللغة العربية هي اللغة الأكثر غزارة في المفردات وعدد الحروف والأصوات، كما انها من أصعب اللغات في التعليم والتعلم وبامكانها استيعاب جميع اللغات والتفاعل معها وهذه حقيقة ثابتة، وهي لغة عالمية وانسانية وأكيد سمعت حضرتك وتعاملت مع مفهوم النوع الإجتماعي والجندرة التي تنادي بها بعض المؤسسات العالمية وكأنها هي من أطلق هذا المفهوم، في حين نجد أن اللغة العربية ومنذ نشوؤها قد وضعت محددات لهذا المفهوم وبإسلوب خطاب راقي جداً من خلال التفريق بين أسماء الاشارة للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث وللمثنى من كلا النوعين وكذلك الجمع، وينطبق نفس الشيء على تصاريف الأفعال والصفات والألوان، بينما أن جميع لغات العالم لم تراعي هذه التفاصيل اطلاقا ويقتصر الأمر على ضمير المفرد للمذكر والمؤنث وبعدد محدود جداً.

نبقى في الترجمة أيضاً، ما هي الأولويات بالنسبة لك في ترجمة الأعمال الأجنبية إلى اللغة العربية؟

المصطلح النقدي بشكل عام والمناهج النقدية بشكل خاص كي نصل إلى مستوى من الفهم للمناهج النقدية الحديثة وتطبيقها على النصوص المكتوبة باللغة العربية، ثم لا تنسى الدراسات المقارنة والتي نفتقر اليها بشكل كبير جداً.

هذا من ناحية أكاديمية ربما، وماذا عن الناحية الأدبية من حيث النتاج الأدبي بشكل عام بعيدا عن رؤيتك من زاوية أكاديمية ونقدية؟ لدي خطة مستقبلية في ترجمة كتاب الشعر الانجليزي الحديث، وقد بدأت بالفعل في ترجمة قصائد منه، كما احتفظ بديوان الشعر الأمريكي الحديث لنفس الغرض. أما إن كنت تقصد الروايات والقصص القصيرة فأنا لا أفكر في ترجمتها كونها تأخذ وقتاً وجهداً كبيرين، وأنا في سباق مع الزمن لإكمال مشاريعي الإبداعية الأخرى في الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح.

أثناء التفكير والعمل على الترجمة هل توجد قضايا ما تهتم بها أكثر من غيرها؟ أقصد القضية التي يتمحور حولها العمل بالتحديد مثلا قضايا التراث والدين قضايا سياسية اجتماعية ؟

نعم وهي عملية البحث عن مكافئ معجمي لكل كلمة أترجمها مع الأخذ بنظر الاعتبار التعابير الاصطلاحية ومغزى النص وقصدية الكاتب، مع مراعاة الحالة الثقافية في النصين: نص الأصل في اللغة المترجم منها، ونص الهدف في اللغة المترجم اليها. أي عملية نقل فكرة النص بما يتلائم وفكرة المتلقي وثقافته واحترام العادات والتقاليد المجتمعية.

كما قال أحد الدكاترة بجامعة الموصل بأنك صاحب مواهب متعددة. أسألك هنا هل ترى ذلك نعمة ربما تضيف لك الكثير أو ربما سلبية من ناحية التشتيت والبحث عما هو أكثر قربا وانسجاماً مع أحمد الحاج ؟

كلامك صحيح وهذا ما ذكره الدكتور صالح محمد عبد الله العبيدي في محاضرة في اتحاد الأدباء والكتاب عن مجموعتي القصصية الأولى “الأقمار الشائكة” قبل عقد من الزمان ـ وجميل أنك اهتديت لها ـ ولكن من الملاحظ أن جميع هذه المواهب التي ذكرها العبيدي تندرج تحت بند الإبداع بشكل عام، والأدبي بشكل خاص. وإذا استثنينا حرفة الترجمة، فمن يمتلك خيالا خصبا وقلما ناضجا بإمكانه ممارسة الكتابة بأي جنس أدبي كان وحتى المقال الصحفي. ولكن لو حصرنا الموضوع بين تعدد الاهتمامات فهي وإن كانت نعمة إلهية، إلا أنها فعلا تساهم في تشتيت الأفكار في الوقت الحاضر وقد سرقت منا عجلة العولمة الإعلامية ما سرقت من اوقاتنا.

الأقمار الشائكة ربما هي تجربتك الإبداعية الأولى، كيف تنظر لها اليوم بعد خوض العديد من التجارب الإبداعية في مختلف المجالات الأدبية ؟

مجموعتي القصصية الأولى (الأقمار الشائكة) هي ليست تجربتي الأولى في الكتابة كما أخبرتك ولكنها تعد تجربتي الأولى في النشر، وصدرت طبعتها الأولى عام 2010، إلا أنها مازالت قائمة على المستوى العربي في حقل السرد، كما أن الشارع الأدبي مازال منقسما بين مؤيد يعدها تجربة فريدة ومتميزة في السرد ويشكل هذا الرأي معظم النقاد ومنهم الدكتور صالح محمد عبد الله العبيدي، والناقد الكبير كمال عبد الرحمن، والدكتور علي أحمد العبيدي، والناقد قاسم حسن علي، والناقدة ميادة أنور، وكلهم كتبوا دراسات قيمة عنها؛ كما اعتبرها القاص والروائي الأستاذ خالد اليوسف على أنها عملية تجديد في القصة القصيرة، يشاطره في الرأي كل من القاص والروائي ناصر الجاسم والقاص والروائي عصام سعد حمودة؛ ويقف على الضد منها مجموعة من الكتاب والمثقفين ممن يعدونها قصص غامضة وقائمة على التكثيف السردي والحذف والاختصار وعصية على الفهم، ومن المفارقات الطريفة التي تلقيتها عن الأقمار الشائكة، هو ما قاله لي أحد القراء قبل سنة عندما سألني فيما إذا كان لدي كتاب جديد بعد الأقمار الشائكة، فاجبته بأن لدي مجموعة ثانية ومشاريع روائية وديوان شعر، فقال لي بالحرف الواحد: “انصحك بأن لا تكتب شيئا بعد الأقمار الشائكة، لأنك مهما كتبت بعدها فلن تبلغ مستواها الفني والأدبي وانصحك بالمحافظة على مستواها الراقي ومكانتها السامية وعدم نشر أي عمل ربما يسيء لها”.

ماذا عن العلاقة بين الكاتب وزملائه المثقفين والكتاب، إلى أي مدى تحافظ على التواصل مع النخب الثقافية سواء على مستوى العراق أو خارجه، وكيف تستفيد من ذلك. خصوصا وأنك عضواً في العديد من المؤسسات والأنشطة الثقافية؟ علاقة الكاتب مع زملائه الكتاب والمثقفين علاقة تبادلية لمفردات اللغة والأدب والثقافة، كما أنها تساعد في نشر نتاج الأديب والتعريف به. وكوني تنقلت في العديد من الدول العربية وسكنت ثلاث سنوات في صنعاء فقد تعرفت على رموز الأدب والفكر والثقافة في تلك البلدان ومازلت على تواصل معهم وتصلني كتبهم كما تصلهم كتبي. وقد أتاح لنا الوجه المشرق للعولمة من التواصل مع العديد من المؤسسات الثقافية والمراكز العلمية والشخصيات داخل البلد وخارجه، كما لا تنسى دور هذه المؤسسات في التعريف بالكاتب ونشر أعماله والتبادل المعرفي مع النخب المثقفة وسماع آرائهم ومقارباتهم، فهي علاقة الأنا بالآخر. وأنا مثلما تعرف لدي العديد من المؤسسات الثقافية والمراكز العلمية والشخصيات في كل دول العالم وبشتى اللغات واعمل كمستشار ثقافي أو نقدي أو عضو في هيئة الأمناء، أو عضوا مؤسسا في القسم الآخر، وهي في الحقيقة بحاجة إلى جهد اضافي ولكنها عملية تعاون وتفاهم معرفي تأخذ شيئاً وتعطي أشياء.

حدثنا عن الخطوات القادمة لأحمد الحاج؟

هذا السؤال يعتمد على مافي ذاكرة حاسوبي المكتظ بالمسودات النقدية والسردية والنثرية وفن المقالة، فأنا في سباق مع الزمن مثلما اخبرتك مسبقا من أجل اكمال مشروعي السردي لمرحلة ما بعد الأقمار الشائكة وهو الهاجس الذي يؤرق بالي وأنا بصدد المضيء به قدما في المجموعة القصصية الثالثة والتي هي ذاكرة حاسوبي الآن تقبع مع ملفات لروايتين.

في الحديث عن النقد هل يتبع أحمد الحاج منهجاً نقدياً خاصاً به؟وما مدى الاستفادة من اللغات التي تجيدها؟

في الحقيقة أني أعتمد على المناهج اللغوية الحديثة واسقطها على النص الأدبي، وهي التي بدأها دي سوسير ومن سار على دربه امثال بلومفيلد ولاكان وشتراوس ورولان بارت، في البنيوية، كما اعتمد على بالمر وجون لاينز في المنهج الدلالي، وينطبق نفس الكلام على التداولية والسيميائية. وقد أتاحت لي معرفة اللغة اللاتينية والإنجليزية والفرنسية اطلاع واسع على كل من المناهج النقدية الحديثة والمصطلح النقدي الذي هو في الاساس مصطلح لغوي لاتيني وبحاجة إلى فهم واستيعاب في لغته الأصلية قبل نقله للعربية. ولعلك تجد في دراساتي النقدية موائمة بين المنهج النقدي والمصطلح، فلا يجوز كتابة دراسة نقدية حديثة عن أي عمل أدبي أو فني دون تحديد المنهج والمدرسة النقدية مع ذكر منظرها وهذا ما يغفل عنه معظم النقاد في الوقت الحاضر، كما أن القسم الآخر لا يفرق بين المصطلح النقدي كتقنية بيد المؤلف وبين المنهج الذي يجب أن يطبق برؤية الناقد وهذه باتت مشكلة نعاني منها في الوقت الحاضر، وما اقصده هو غياب المنهجية النقدية من جهة، وغياب الرؤية النقدية للناقد في القدرة على استنطاق النص وبيان مكامن القوة والخلل فيه، وأنت لو عملت جولة بسيطة في الكتابات النقدية المتوفرة على النيت ستجد عدد كبير منها، على سبيل المثال تجد دراسة نقدية عن المفارقة وقد تعامل معها الكاتب على أنها منهجا نقديا، بينما هي في الحقيقة تقنية ابداعية، كما انك ستبحث عن الكاتب فلا تجد له رؤية داخل الدراسة فقط مجموعة من المصادر والاحالات. وهذا ما أتاح الفرصة للكثير ممن يعتلون عتبة النقد وهم بحاجة إلى نقد.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :