- سليمان دغش
سَأَرمي خاتَمي المَلَكِيَّ في بَحرِ الجَليلِ
وَأَعودُ طِفلاً حافِيَ القَدَمَينِ يَلهَثُ خَلفَ ظِلِّ فراشَةٍ
فَرَدَتْ جَناحَيها على روحي، أَجوبُ أزِقَّةَ الحاراتِ والطُّرُقاتِ
أقطَعُها على نَزَقٍ طُفولِيٍّ يُراوِدُني لأَعرِفَ أنَّني
ما زِلتُ حيّاً فيكَ يا وَطَني
وأنَّكَ لمْ تَزَلْ حَيّاً بِما يَكفي لأَرتُقَ قَلبِيَ المَفروطَ بَينَ البَحرِ منْ جِهَةٍ
وَبَينَ النَّهرِ مِنْ جِهَتَينِ، كادَ الجِسرُ بَينَهما السُّقوطَ مِنَ الدُّموعِ
فَلَيسَ أثقَل مِنْ دموعِ الحُزنِ تَذرِفُها مآقي النازِحينَ عَنِ الدِّيارِ
وَكَأنَّما الأيّامُ مَرَّتْ قُربَ عُمري رُبَّما والعُمرُ مَرَّ على رَصيفٍ ضَيِّقِ الكَتِفَينِ،
مَنْ سَرَقَ الطَّريقَ السّاحِلِيَّةَ والشّواطِئَ مِنْ حُدودِ الرّوحِ في حَيفا،
يُسَبِّحُ باسمِها البَحرُ الكَئيبُ إلى ما بَعدِ بَعدِ وَبَعدِ يافا،
كانَ لي بحرٌ أنامُ على شَواطِئِهِ وأَحلُمُ كالفَراشَةِ بالنّهارِ وبانتِصارِ الشَّمسِ فِيَّ
وأَعشَقُ الليْلَ الطَّويلَ عَباءَةً تَتَلألأُ النَّجَماتُ فوقَ سَوادِها الليليِّ،
إنَّ الليلَ غابَةُ أنجُمٍ ورؤىً وَبَعضُ مَتاهَةٍ تَهديكَ للقِنديلِ فيكَ تُضيئُهُ لِتَراكَ فيكَ
على مَرايا الرّوحِ مُكتَمِلاً بِهَيئَتِكَ البهِيّةِ، ناقِصاً
في مُبتَغى الإدراكِ خارِجَ رؤيَةِ الأشياءِ لا معنىً لظاهِرِها
وباطِنُها احتمالاتٌ لِتَأويلٍ ضَلاليِّ الهِدايَةِ،
كُلُّ شَيءٍ قَد يَشي بِنَقيضِهِ، فاحذَرْ نَقيضَكَ فيكَ
لا أحدٌ يَدُلُّ عَلَيْكَ غَيركَ في المَتاهَةِ بَينَ ماضيكَ البَهِيِّ
وَبَينَ حاضِرِكَ الشَّقِيِّ الآنَ
لا بَحرٌ لَدَيكَ ولا شواطئ للنّعاسِ على فِراشِ الرَّملِ
أَوْدَعَهُ النّهارُ عَباءَةً للشَّمسِ تَخلَعُها على مَهلٍ وَتَدخُلُ في سَريرِ الليلِ
تارِكَةً لنا مِرآتها قَمَراً على خَجَلٍ وَحُزنٍ بُرتُقاليٍّ تَقَطَّرَ أدمُعاً مِنْ عَينِ يافا
مَرَّ قُربي العُمرُ أسأَلُ هَل أنا حَيٌّ بنِصفِ القَلبِ وَحدي هاهُنا
أَمْ مَيِّتٌ قَلبَينِ مَرَّ الجِسرُ بَينَهُما فماتا لَوعَةً
إنَّ القُلوبَ تَموتُ صامِتةً إذا ابتَعَدَ الأَحِبَّةُ والبُيوتُ تَموتُ
كالأعشاشِ تَهجُرُها العَصافيرُ الصّغيرَةُ
عائدونَ إليكَ والمِفتاحُ في يَدِنا الدَّليلُ فأينَ بوصَلَةُ الطَّريقِ
لِحُلْمِ عَوْدَتِنا؟
– أنـا اتَّبِعوا خُطايَ أجابَنا دَمُنـا !!
كَمِ ابتَعَدَ الغَمامُ على سَماءِ الحُلْمِ والرّؤيا
وَمَوعِدُنا مَتاهاتُ السّرابِ ولا خلاصَ على الصَّليبِ سِوى بِمُعجِزَةِ القِيامَةِ،
كَم نَزَفتَ ودَربُكَ الآلامُ أطوَلُ مِنْ حُدودِكَ في الخَريطَةِ
مَرَّ قُربي العُمرُ لا حَيّاً ولا مَيْتاً
وَبَينَ البَينِ لي وَطَني ولي مَنفايَ فِيَّ
ورؤيَتي للبَحرِ أزرَقَ مِثل لَونِ سَمائِنا
إنَّ السَّماءَ بلا حُدودٍ كالبِحارِ ولا حَواجِزَ للمَدى
وَفَراشَتي روحي سأَتبَعُ ظِلَّها لأَعودَ طِفلاً حافِيَ القَدَمَينِ
يَلهَثُ خَلف ظِلِّ طُفولَةٍ تَرَكَتهُ عندَ مَحَطَّةٍ مَهجورَةٍ
يَبكي قِطاراً فاتَهُ وَمَضى إلى المَجهولِ
لكِنّي بَقيتُ هُنا بِنصفِ القَلبِ حَيّاً فيكَ يا وَطَني أنا
فأنا أنأ وَطَني هُنا
وَطَنــــــــــي أنـــــــــــا…
سليمان دغش
من ديواني الصادر حديثا عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع عمان/بيروت :
“في المرآةِ أُشبِهُني”