شُـؤُون أفْـرِيقِيّة
كتب / السفير/ جمعه أبراهيم عامر
رابطة الدبلوماسيين الليبين
بحيرة تشاد سادس أكبر بحيرة فى العالم من حيث المساحة ، تقع البحيرة فى المنطقة الشمالية الوسطى من قارة أفريقيا وتحديدا على خط التماس الفاصل بين الصحراء الكبرى والغابة الأفريقية . تمتد مساحتها على أرض أربعة دول ،ويقع الجزء الأكبر منها فى الأراضي التشادية ومن هنا جاءت تسميتها ببحيرة تشاد، كما تغطي مساحة شاسعة من شمال شرق نيجيريا وأقصى شمال الكاميرون وجنوب شرق النيجر . على مدى عدة قرون ظلت البحيرة مصدر رزق للملايين من سكان تشاد ونيجيريا والنيجر والكاميرون ، يعيشون على أسماكها الوفيرة ويرعون مواشيهم من أغنام وأبقار وإبل فى أراضيها الغنية بالأعشاب المروية والأحراش البرية. فى بداية عقد ستينات القرن الماضى بدأت مساحة البحيرة تتقلص تدريجياً ،فبعد أن كانت أكثر من خمسة وعشرين ألف كيلو متر مربع انحسرت إلى 10% من مساحتها الأصلية لتصبح مجرد بركة واسعة مهددة بالفناء، ومن أسباب التقلص التغييرات المناحية وما نجم عنها من انبعاث حراري وارتفاع درجة حرارة الأرض .قلة سقوط الأمطار وموجات الجفاف المتتالية التى ضربت منطقة الساحل الأفريقى . تراكم كثبان الرمال ونمو الأعشاب والحشائش فى مجرى نهر شارى فحالت دون تدفق المياه للبحيرة بالسرعة الكافية ويُعدالاستغلال المفرط للسكان المحليين سبباً رئيسياً فى فقدان الموارد المائية للبحيرة وصل إلى 75% حسب بيانات المصرف الدولي ولجنة بحيرة تشاد . عرضت عدة حلول لإنقاذ البحيرة من الاختفاء الكامل ، يتوقع الخبراء في حال تنفيذها أن ترفع منسوب المياه فيها إلى ماكانت عليه ، أحد هذه الحلول يتمثل في حفر قناة تربط نهر أوبانجي بجمهورية أفريقيا الوسطى بنهر شارى المغذي للبحيرة ، لكن المعظلة تكمن في تمويل هذا المشروع الضخم ، وهو ماأشار إليه الرئيس التشادي أدريس دبّي أمام المؤتمر الدولي للمناخ الذي عقد فى ديسمبر 2017 حيث قال إن لدى الأفارقة مشروع لم يجد التمويل المطلوب وهو نقل المياه من نهر أوبانجي إلى بحيرة تشاد بتكلفة تصل إلى ستة بلايين دولارهذه الكلمات تشير إلى المخاطر الأمنية والاقتصادية والإنسانية الناجمة عن جفاف البحيرة وما تجدر الإشارة إليه أن آثارها لن تطال الدول المحيطة بهذا المسطح المائي فحسب بل بلدانا أخرى منها بلادنا ، فمع مرور الوقت سيتدهور الغطاء النباتي على الأراضي المحيطة بالبحيرة وستتناقص مياهها السطحية والجوفية وستموت الحيوانات والأسماك والأحياء البحرية ويزداد الفقر وينتشر الجوع مما سيدفع الملايين في البشر المقيمين على ضفافها للتحرك في موجات كبيرة للبحث عن مصادر رزق في أماكن أخرى ، وستكون وجهة الكثير منهم إلى شمال أفريقيا وليبيا على وجه التحديد على أمل العبور منها إلى دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط ، وهذا يعني ازدياد عدد المهاجرين غير الشرعيين وماسينجم عن دخولهم إلى الأراضي الليبية من أخطار أمنية وصحية واجتماعية علاوة على تغيير في التركيبة السكانية لأهل الجنوب الليبى . هذه المحاذير ليست من باب التهويل ، فقد فقدت البحيرة 90% من مياهها في غضون ستة عقود من الزمن ، ومن السهل تقدير الزمن الباقي الذي ستجف فيه تماما ، إن إمكانيات الدول الأفريقية المحيطة بالبحيرة لاتسمح بجمع البلايين من الدولارات ، ويبقى الجهد الدولي والإقليمي هو الأمل لتمويل هذا المشروع الضخم . لقد ركز كتّاب وإعلاميون وخبراء جيولوجيا على مسألة حشد الأموال ، ولخص الرئيس النيجري محمد يوسف المطلب أمام المشاركين في المؤتمر الدولي للمناخ عندما قال إن بحيرة تشاد ملكية مشتركة يمكن اعتبارها إرثاً إنسانيا وعلى الشركاء الدوليين الإنصات لصيحات سكان دول المنطقة المطلة على بحيرة تشاد ومد العون للملايين من الأشخاص اليائسين من خلال المخطط الهادف لإنقاذ البحيرة من الزوال ، وتعليقا على دعوته هل يحرك هذا النداء المؤثر ضمير المجتمع الدولي لإنقاذ بحيرة كانت من أكبر الكتل المائية في العالم وتجنيبها مصير بحر ” آرآل ” الذي تتقاسمه دول في آسيا الوسطى واختفى جزء كبير منه خلال الألفية الماضية ؟.