حاورته :: ربيعة أبو القاسم حباس
مَازَالَ رِجَالُ القَانِونِ وَ الإعّلاَمِ هِـمْ مَنْ يَـدْفَـعُ الثّـمَـنَ الأكْـبَـرَ فِي مُهِمّة قَـوْلِ الحَقِيقَة والدّفـَاعِ عَـنْ قَـضَـايَـا الوَطَنِ وَ حُـقُـوقِ الإنْـسَـانِ .
خلال السنوات 12 الأخيرة (2006 – 2017)، قتل ما يقارب 1010 صحافي وهم يؤدون عملهم بنقل الأخبار والمعلومات إلى الناس ، و في 9 حالات من أصل 10 يبقى الفاعل بلا عقاب ، وهذا ما يسمى بالإفلات من العقاب ، والذي يؤدي إلى مزيد من جرائم القتل و تفاقم الصراع و تداعي القانون والأنظمة القضائية. ومن هنا خشيت اليونسكو من أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى زعزعة مجتمعات بكاملها من جرّاء إخفاء انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان والفساد والجرائم . وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 نوفمبر اليوم الدولي لإنهاء الافلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في قرارها A/RES/68/163 وحث القرار الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الحالية وقد اختير التاريخ احتفالا باغتيال صحفيين فرنسيين في مالي في 2 نوفمبر 2013 ويدين هذا القرار التاريخي جميع الهجمات والعنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام. وتحث أيضاً الدول الأعضاء على بذل قصارى جهدها لمنع العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، وكفالة المساءلة، وتقديم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام إلى العدالة، وضمان حصول الضحايا على سبل الانتصاف المناسبة ، وتطلب كذلك إلى الدول أن تعمل على تهيئة بيئة آمنة للصحفيين لآداء عملهم بصورة مستقلة ودون تدخل لا داعي له . بمناسبة هذا اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب ، التقت صحيفة فسانيا القانوني السيد معز صادق الورشفاني والذي تحدث و أوضح معنى كثير من الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص والأمن العام وكيف يمكن الحصول على ضمانات عدم الإفلات من العقاب . التقته : ربيعة أبو القاسم حباس
بداية ..ماذا تقول؟
لايفوتني أن أعزي نفسي وصحيفة فسانيا الموقرة وكل الإعلاميين في ليبيا و العالم و كل الشعب الليبي في فقيد الحقيقة الصحفي و المصور موسى عبدالكريم رحمه الله الذي طالته يد الغدر و أعداء الكلمة و الحقيقة ، حيث مازال رجال القانون و الإعلام هم من يدفعون الثمن الأكبر في مهمة قول الحقيقة والدفاع عن قضايا الوطن و حقوق الإنسان فنحن كرجال قانون وقضاء دفعنا كثيراً من الضحايا الذين تم اغتيالهم أو خطفهم أو الاعتداء عليهم بالرصاص والضرب و التهديد ، و مازالت المعركة مستمرة حتى تقوم دولة القانون و المؤسسات و لن نتوقف عن أخذ حقوق الأبرياء مهما كان الثمن .
ما أكثر الجرائم انتشارا فيما يتعلق بحياة الأفراد ؟
الجرائم كثيرة و متعدد و لا يخلو منها أي مجتمع و في كل الدول ، لكن بعض الجرائم هي جديدة على المجتمع الليبي و تخرج عن الإطار التقليدي و ضمن هذا السؤال لا شك أن جرائم القتل والخطف و السطو المسلح هي الأكثر خطورة و انتشارها بدأ يثير الكثير من القلق . ما أسباب انتشارها ؟ الأسباب واضحة وهي الانتشار الكبير للسلاح و وجوده في كل بيت تقريبا ، كما أن المجرمين السابقين الذين كانوا في السجون قبل الثورة كثير منهم الآن من يحملون السلاح كيف يتم القبض على هؤلاء المجرمين من أصحاب السوابق ؟ الموضوع يحتاج إلى وقت و جهد كبير حيث أن هؤلاء أغلبهم ينظمون إلى مليشيات مسلحة تحترف الجريمة و غياب مؤسستي الجيش و الشرطة بمفهومهما الحقيقي مازالت ضعيفة و لا تقوى على السيطرة الكاملة على كل التراب الليبي .
ما دور السلطات في القضاء على هذه الظواهر ؟
كما قلت السلطات أو الحكومات المتعاقبة مازالت ضعيفة و هي أيضاً ساهمت في ذلك بشكل كبير عبر شرعنة هذه المليشيات و إعطائها صفات وهمية فعدد كبير من المجموعات المسلحة تتبع الدولة من حيث الدعم المادي و التجهيز و تقاضي الرواتب و هذا معلوم للجميع و يتحدث عنه الجميع حتى الأمم المتحدة أشارت إليه في أكثر من مناسبة ، كما أشارت إلى دور المليشيات المسلحة في جرائم التهريب و الهجرة غير النظامية عبر البحر و الاتجار فيها .
ما موقف القضاء الليبي من كل هذا ؟
القضاء قائم موجود ويشتغل في أقسى الظروف و في خطر حقيقي و لا يتأخر عن عقاب كل من يمثل أمامه ، لكنه يحتاج أن تكون قوة الضبط أقوى من المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون و هذا يخرج عن سيطرة القضاء .
إذا من يحمي رجال القانون و القضاء ؟
الحقيقة لاتوجد أية حماية ، وأنتم تعلمون كم مرة تم الاعتداء و الهجوم على المحاكم و كم مرة تم الاعتداء على رجال العدالة بالقتل و الخطف و الضرب ناهيك عن التهديدات التي تصلنا باستمرار ، وشخصيا قد تلقيت عدة تهديدات .
هل تقوم الحكومات بحمايتكم من كل هذا الخطر ؟
بصراحة لا و هي مقصرة جدا و واقعيا لا تستطيع الحماية و القيام بواجباتها على أكمل وجه ، أحد زملائي بالدراسة و هو قاض محترم و مشهود له بالنزاهة تم الهجوم عليه داخل قاعة المحكمة من عصابة مسلحة ترغب في الإفراج عن بعض المتهمين في قضايا التهريب و عندما تم الحكم عليهم بالسجن قاموا بخطفه و إطلاق النار على قدمه و هو الآن يعالج خارج ليبيا و على حسابه الشخصي للأسف .
ماذا عن القانون أمام كل ذلك ؟
القانون الليبي نظم كل العقوبات لكل الجرائم و عالجها بشكل دقيق عبر نصوص القانون الجنائي و صنفها بمواد محكمة .
مثالا على ذلك ؟
مثالا تكلم القانون الليبي عن الجرائم ضد الأمن العام بنصوص عديدة كما أفرد أبواباً للجرائم ضد حياة الفرد أو سلامته ، والجرائم ضد حرية الأفراد. أي أن القانون الجنائي الليبي لم يغفل أية جريمة بل غطى كل هذه الجرائم و وضع لها عقوبات صارمة ، القانون كنصوص و القضاء كمنظومة موجودان و بقوة لكن تبقى المشكلة في السيطرة على المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون ، و لا أبالغ إن قلت إن القانون الليبي متقدم جدا في مجال السياسة الشرعية و ملائم لعقوبة الجريمة و هو متناسق كثيرا مع قوانين الدول المتقدمة و حديث بما يكفي ، فقط الصعوبة تكمن في التطبيق ز
من يعوض الضحية سواء كان شخصية عامة مستهدفة (رجال قضاء وقانون ، سياسيون ، إعلاميون ) أم كانوا من عامة الناس ؟
الدولة ملزمة بتعويض الضحايا وأسرهم سواء من يتم قتله أو خطفه أو الاعتداء عليه ، هي ملزمة بالحماية أولا لأنها المسؤولة عن حماية مواطنيها بل وحماية كل من هم على أراضيها ، ثم هي ملزمة من باب مسؤولياتها و أيضاً تقصيرها كأساس (المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية) و هذه مناط المسؤولية و التعويض في القانون المدني .
ما أهم الالتزامات التي على الدولة اليوم القيام بها ؟
أهم التزام على الدولة الآن هو محاربة المليشيات المسلحة و إنهاؤها وحل التشكيلات الغريبة التي أعطيت صفات أمنية و عسكرية وساهمت في تغولها و قوتها و عليها أن تعمل بجدية على جمع الأسلحة المنتشرة في كل مكان و إلا ستكون دائما مسؤولة عن تعويض الضحايا و هذا يكلف الدولة أموالا كثيرة يفترض أن تصرف على التنمية والتعليم و الصحة ، لكنها هذه التعويضات المكلفة تبقى دائما حقوقا للضحايا و على الحكومة أيا كانت أن تلتزم بتعويض الضحايا لأنها مسؤولة عن هذا . كذلك أهم التزام على عاتق الدولة أن تمنع الإفلات من العقاب و للعلم كل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم و بمناسبة اليوم العالمي لمنع الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين ، يجب أن يكون في كل الجرائم و على كل الضحايا فكم من إنسان بسيط أو رجل قانون أو صحفي تم الاعتداء عليه و لم تتم حمايته و تمكن الجاني من الإفلات من العقاب .
ختاما … نسأل الله أن يحفظ الجميع و أن يسود القانون و العدل و أن تعلو حقوق الإنسان فوق كل اعتبار و تقوم الدولة و مؤسساتها وبيدها زمام الأمور و السيطرة ، وأولى الخطوات لتحقيق ذلك هو القضاء على المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون و هي للأسف ترتدي شعار الشرعية الممنوحة لها بمخالفة القانون ، لكن الإرادة الحقيقية و العمل الجدي سيجعل المستحيل سهلا ممكنا ، وفي ليبيا كثير من المخلصين القادرين على المساهمة في عودة الوطن إلى الطريق الصحيح بعيداً عن الجرائم و العصابات .