- عادل المعيزي
يخرجُ الشّعرُ من نَثْرِه، يَخْرجُ النّثْرُ مِن شِعْرِهِ
يَخْرُجُ الصّوتُ مِنْ وِحْشَةِ الأقْبِيَةْ
ويَقُولُ الّذي قُلْتُه عَنْ مَجازِ الحَزانَى.
ذبُوُلُ الهَوى مُوحِشٌ. مُوحِشٌ صَمْتُنا
مُوحشٌ سِحْرُ غَيْمٍ تَبدَّدَ في فَلَواتِ المَواضي
وبَعْدَ حَصادِ الرؤوسِ انْتهى جُرحُ رُومَا
لتَبْدأ قرطاجُ مَلْحَمَةَ الموتِ
فَوْقَ جُفونِ المرايا
سَنَرْمُقُ بَحْرًا يَمُوتُ
سَنَلْمَحُ مَدْرَسَةً تَخْتَفي في حَكايا الكراريسِ
تعبثُ ريحٌ بها..
وأنا.. فَغَدًا سَأزُورُ غَدِي في الحَكَايَا
لأرى صُورتي في الزّمانِ البَعيدِ البَعيدْ
أجَالِسُ أُنْطُونِيوسَ على حَافَّةِ البَحْرِ
زَوْجَتُه واجمةٌ في انتظار الجنازةِ
للبحرِ لَوْنُ الدّماء وللخُبْزِ طَعمُ الجماجِمِ
ماذا سأروي عن الشّعراءِ وماذا سَيَحْدُثُ
أكثَرَ ممّا حَدَثْ
خَذَلَتْني القَصِيدَةُ والمَشْهَدُ الآن أبْلَغُ
مِنْ صُحُفٍ كالجُثَثْ
خَذَلَتْني القَصيدَةُ يا وَطَنًا نَدَمًا
كالشَّجَنْ
رُبّما نَحْنُ مِتْنَا وما هَذهِ الصّرَخَاتُ سِوى
ما اسْتَمَرَّ من الحُزْنِ في دَرَجٍ
كالكَفنْ
رُبّمَا مِتُّ منذُ ثلاثينَ عامًا
وما هَذه القَارِعاتُ سِوى حُلمي الأبديِّ
لعلّيَ مِتُّ على صَوْتِ لَحْنٍ حَزِينٍ
وما يَخرُجُ الآن مِنْ جُثّتي ليْسَ إلاّ رُؤَى كالحُرُوبِ
لقَدْ مَرَّ دَهْرٌ عَلى ما أبَادُوا مِنَ الإِنْسِ
والعُشْبِ
والأغْنِيَاتِ
ومَا ظَلَّ مُنْدَهِشًا مِنْ دَوَابّ
ولكنَّ مَرْكَبَةَ الأهْلِ لمْ تَأتِ بَعْدُ
لِتَحْمِلَ ما قَدْ تَفَسَّخَ مِنْ جُثَثٍ
لم يَصِلْ ساعِدٌ طَائِشٌ ممّا انْتَظرْنَا
وقَرْطَاجُ
لَمْ يُشْفِها الحَرْقُ والملحُ بَعْدُ
ونَيْرُونُ يَعْبَثُ بالشَّجَراتِ وبالبَحْرِ والآلِهاتِ
ويَعْبَثُ بالمَكْرُماتِ
لعلّيَ نِمْتُ ولم أنهضِ الآنَ بَعدُ
وما هذه الغَمْغَمَاتُ سِوى حُلُم مُزعجٍ
ربّما كانَ عَزْفي ثَقيلا، فَصَوّرَ لي وَتَرِي
ما رَأى مِنْ هَديلِ الحمامْ
فرأيتُ الفَجَائعَ في لَمْحَةٍ
رُبَّمَا فاجَأتْني الكوابِيسُ بَعْدَ أُفُولِ السُّهَادِ
ولا شيء يحدث ممّا رأيتُ
لعلّي أُفيق بُعَيْدَ اندثارِ الظلامْ
٭٭٭
أيُعْقَلُ أنّي أرَى مَا أرَى
طِفلةً تَسْتَحيلُ رَمادًا
وطفْلاً يُعاتبُ قُنبلةً فَجَّرَتْهُ
وظلاًّ يُشير إلى حَتفه في سُفُوح الرَّزَايا
وبَيْتا يَنُوحُ على مَيِّتٍ قَدْ يَبِيتُ
وأمّا تصيحُ على عتباتِ القصُورِ
وجُرْحًا يَفُوحُ
أيعقَلُ مَرَّ عَلى نَوْمَتي كُلّ هَذا الخَرابِ
لهبٌ ودخانْ
يَسيلُ بَطيئًا
وأشلاءُ موتَى السُهوبِ
تُبلّلُ بالدم صوتَ الزمانْ
٭٭٭
خَدَعَتْني القَصِيدَةُ ثَانيَةً
لم يكن حُلمي..
إنّها الحَرْبُ تَرْفَعُ نَعْشَ السُّفُوحِ إلى اللاّ نهايةِ
ترفعُ نعشَ البوادي
إلى حاكمٍ حَارِسِ المَقْبَرَةْ
خَدعتني القصيدةُ ثانيةً
لم تَكُن مِيتَتي إنّما مَوتُهُمْ
جُثَثٌ هَامِدَه
لم تَكُنْ مِحْنَتي إنَّما..
داهَمَتْني الكآبةُ ممّا أَرَى
خَدعتني القصيدةُ، أيْقَظَني حِبرُها لأَرَى
دمَُهُمْ مثل بَرقٍ أضاءَ
ينِزُّ مِنَ المِحبرَة
٭٭٭
لم يكن حُلُمًا غَيْرَ أنّي انتظرتُ
عزيمةَ من رَجَمونا بإرثِ النَّواميسِ
ولكنّني لا أرى
غيْرَ ارْتِعاشِ الدُّمَى المُبْحِرَهْ
لم تَكُنْ مِيتَتي إنَّمَا
خَدَعَتْني القَصِيدَة ُثَانِيَةً
خَدَعَتْني القَصِيدَةُ
خدعتني القصيدةْ…