آمِنة المحجُوب
كان الجو قارصا جداً، ارتديت معطفي الرمادي وتوجهت إلى الجامعة. دخلت إلى المبنى وإذا بالناس يرتجفون من شدة البرد ويركضون خوفا من ضياع الوقت. صعدت الدرج ببطء ، فكان مزدحما بالناس وثرثراتهم التي غالبا لم تكن واضحة، كانت أشبه بوشوشات.
اقتربت من القاعة وكان المدخل محشورا بالناس كأنهم ذاهبون للتعرف على جثة مجهولة أو زيارة أحدهم في السجن، حتى إني لم أستطع الدخول بسهولة. وأخيرا وليس آخرا تمكنت من الدخول فجلست على الكرسي الذي يسانده الحائط الأيسر، إنه مكاني المفضل في الغالب. لم أنتظر كثيرا حتى وضع لي أحدهم ورقة لا أتذكر ملامحه.
أخذت قلمي وباشرت ”بالكتابة” أو بالأحرى اﻹجابة على أسئلتهم وبدأت بأول سؤال ألا وهو ”اسمك؟” من الحين إلى الآخر ألقي نظرة على زملائي للاطمئنان عليهم فقط! أراهم متوترون بعض الشيء كثيروا الأسئلة، لماذا يسألون وأنا لا أسأل؟ يبدو أن هناك خطبا ما! أو ربما اختلافا في الأسئلة! حقا كانوا يوترونني ويبثون الهلع داخلي! عم الصمت من جديد، وكل غرق في ورقته. كانت الورقة مستفزة حقا، بعض الأسئلة كانت تبدو مبهمة رغم معرفتي بها سابقا وليست مؤهلة بما فيه الكفاية حتى أجيب عليها. قارب الوقت على النفاذ ، وبدأت أرتبك شيئا فشيئا، وهنا سارع صوت ضميري في التدخل قائلا: ”ابدلي ما بوسعك، اكتبي كل ما تملكينه من قوة لا تستسلمي أبدا فأنت الآن محاربة، الورقة ميدانك والقلم سلاحك” وهناك صوت آخر مجهول المصدر خاطبني بكل برود: ”لا عليك، ولا تبالي، من تكون هذه الورقة حتى تشتت أفكارك وتلخبط مشاعرك، لا تكتبي شيئا فأنت لست مضطرة لفعل هذا، لا يبدو هذا مضرا إلى حد الموت” لقد أصبت بالحيرة حقا! ماذا عسايا أن أفعل؟
سقط قلمي أرضا،،، أحسست كأن الورقة تحدثني وتقول لي :” سوف تنحني لإحضار قلمك من أجلي” لا والله لن أفعلها،،، فتحت حقيبتي غاضبةً و أخرجت قلما آخر، انتظرت حتى نهاية الوقت، وأخذت قلمي مسرعة وقمت بتعبئة كل فراغ أجده. لم يكن استسلاما البتة، فقط لا أحب أن أرى الفراغات التي تكون بين الأسطر، إنها تستفزني حقا لإجابتها أي ”تعبئتها”. سلمت الورقة!! عندها فقط أحسست وكأني كنت أحمل جبالا على كتفيْ.
فخرجت وجلست تحت مظلتي المفضلة البعيدة التي تسمح لي برؤية كل شيء ، دون كل شيء يعرف أني أراه! بدأ المطر بالتعبير أيضا لقد بلل جزءا من معطفي وشاشة هاتفي فتوجهت ببطء شديد وبعدم الرغبة في ترك مكاني الملهم إلى غرفة الانتظار حيث الازدحام والضجيج ، جلست قليلا ولم أحادث أحدا ، ألقيت نظرة من حولي ثم فتحت هاتفي المحمول لأختار رفيقا ما يشاركني صمتي وعزلتي، اخترت كتابا مثيرا بعض الشيء استطاع فعلا أن يخرجني من غرفة الانتظار إلى مكان أبعد بكثير ، إلى إنجلترا في القرن الثامن عشر!