ليسوا صغارها

ليسوا صغارها

أحمد الجيزاوي

مقلتاه السوداوان كانتا تدوران كحبتي لوز،وهما ترصدان الحدث لحظة بلحظة في صمت. حتى أنفاسه المتسارعة كانت تخرج بلا صوت.

 الصدمة ألجمت لسانه وهو يشهق باكيا في صدر أمه التي احتضنته حتى هدأ. وبدأ يروي الحكاية، كنت مختبئا في ظل الجدار. كتمت أنفاسي وأنا أراها تتسلل، كانت (الكتاكيت) تصيح هاربة في كل أركان العشة تحاول -عبثا- الفرار.

تنقض على أحدهم تعض رقبته، ولا تتركه حتى يسقط دون حراك.

 قالت الأم: هل تعلم يا ولدي أن بعض الناس يتفاءلون بها!  رغم أنها تحفر أعشاشها أسفل جدرانهم، يقولون أنها تجلب الرزق في كل بيت تسكنه. وهي تسرق ذهبهم لتضع عليه صغارها.

متعجبا يسألها: تضع صغارها على قطع الذهب، و تمتص دماء (الكتاكيت) المسكينة، أليست صغارا مثل صغارها؟!

نعم يا ولدي هم صغار..  لكنهم ليسوا صغارها.

عندما جاء زوار الفجر ليأخذوا أباه، كان كعادته يختبيء خلف الباب شبه الموصود، تعلقت عيناه بتلك اللحظة، وهو يرآهم يدفعونه بأعقاب البنادق في ظهره – رغم استسلامه- أسقطوه على درجات السلم، سحبوه من ثيابه حتى ألقوه في صندوق سيارتهم المرقشة.

لم تستطع الأم أن تفسر له ما حدث، أين أخذوا أباه .. ولماذا فعلوا به ما فعلوه .. قالت عندما ألح في سؤاله عن غيبته الأبدية: (خنقته العرسة يا ولدي).

 نافذته كانت ضيقة جدا، ضربت عليها قضبان حديدية غليظة، لكنها كشفت له الحارة حتى آخر بيت. في الظلمات سكنت كل الأصوات، كل الحركات. إلا من تلك (العرس) السوداء  تتسلل من بيت إلى بيت تسرق أقوات الناس، تطلق صرخات مرعبة أفزعته لسنوات حتى اعتاد الفزع.

 غزا الشيب رأسه، وأحنت المحن المتعاقبة ظهره، لم تمنحه الحياة شيئا يعتز به غير ولد لم يكن يجيد الاختباء مثل إبيه. مضى به العمر سريعا لكنه توقف فجأة، في لحظةٍ انكفأ فيها على جثة وحيده المضرجة بالدماء، وهو يتلفت حوله بحثا عنها.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :