تزامن إعلان فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس عن طلب حكومة الوفاق الوطني المشكلة باتفاق الأمم المتحدة، والتي لم تكتسب شرعيتها بعد حسب اتفاق الصخيرات، عن بدء غارات أميركية على أهداف للإرهابيين في سرت مع تأكيد من واشنطن لتلك العمليات واستمرارها.
أحدث ذلك خلطا لدى بعض وسائل الإعلام التي اعتبرت أن الغارات الأميركية تساعد جهود الجيش الوطني الليبي لمحاربة الإرهابيين في شرق ليبيا، رغم وضوح الإعلان من طرابلس وواشنطن بأن الطلب جاء من “حكومة الوفاق الوطني”.
واستدعى ذلك رد رئيس البرلمان الشرعي في طبرق برفض “التدخل الأجنبي في ليبيا”، خاصة وأن حكومة الوفاق الوطني لم تمثل أمامه بعد للحصول على الثقة ـ وهو بند أساسي لاستكمال عملية الأمم المتحدة السياسية.
هناك عدة تفسيرات لإقدام الولايات المتحدة، والآن تحديدا، على التدخل الجوي في ليبيا أولها أن أميركا توسع حملتها على الإرهاب من العراق وسوريا إلى ليبيا.
وهذا ما جعل بعض الليبيين على وسائل التواصل الاجتماعي يسخرون بمرارة من أنه لم يبق إلا “تحويل البلد إلى عراق وسوريا” في إشارة إلى تمزق البلدين وشبه استحالة استعادة وحدة أراضيهما مجددا.
أما المجلس الرئاسي وحكومة الأمم المتحدة في طرابلس فاعتبرت ذلك “شرعية دولية” لها، إذ بتلك الغارات ستعتبر عضوا جديدا في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة أميركية.
ذلك على الرغم من أن حكومة طرابلس في جانب، والجيش الوطني الليبي في جانب آخر، حيث تعتمد الحكومة على دعم الميليشيات وأغلبها جماعات إرهابية ومتطرفة كانت ضمن تجمع “فجر ليبيا” الإرهابي.
يذكر أن واشنطن كانت مترددة حتى الآن في الاستجابة لضغوط أوروبية لإعادة التمثيل الدبلوماسي إلى ليبيا دعما للحكومة التي شكلتها الأمم المتحدة، وذلك بانتظار اكتمال شرعيتها بحصولها على ثقة البرلمان الشرعي.
ولعل الغارات على سرت تعد مخرجا لواشنطن، فهي لم تتجاوز الاتفاق الدولي بشأن دعم كامل لحكومة السراج، وكذلك لم تتخل عن جماعات تنسق معها على الأرض بعيدا عن الجيش الوطني الليبي ـ وأغلبها جماعات معارضة للجيش.
وقد أعلن متحدث باسم البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أن هناك قوات أميركية على الأرض تنسق مع الجماعات التي تحارب الإرهاب في سرت (أي الميليشيات، وفي مقدمتها ميليشيات مصراته) لتحقق الغارات أهدافها.
ويرى بعض المراقبين أن التدخل العسكري الأميركي قد يكون محدود الفعالية في مكافحة الإرهاب في ليبيا، لكنه يضفي بعض الشرعية على ميليشيات وجماعات مسلحة صنفت من قبل “إرهابية” وإن لم يدعم بشكل كامل شرعية المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق.
هناك أيضا من يربط بين التدخل العسكري الأميركي الآن وما تكشف قبل أيام من وجود قوات خاصة فرنسية تعمل ضد الإرهابيين في بنغازي ودرنة في الشرق. ومن ذهب إلى الربط بين الموقف الأميركي وزيارات قائد الجيش الوطني الليبي إلى موسكو مؤخرا.
إنما الأهم هو أن الغارات الأميركية جاءت بعد أيام قليلة من فشل اتفاق حول تصدير النفط الليبي حاول المبعوث الدولي إلى ليبيا مارتن كوبلر ترتيبه مع قائد حرس المنشآت النفطية، وهو معارض قوي للجيش الليبي وقريب من الميليشيات.