- المهدي يوسف كاجيجي
الصديق عمر الساحلى رحمه الله كان نموذجًا نادرًا من الرجال، كان قارئًا نهما، ووطنيا غيورا، حاضر البديهة، شيق الحديث. في الثمانينات من القرن الماضي، كانت لنا أيام عندما كان يجمعنا صديقنا وزميلنا الصحفي والكاتب أمحمد ساسي ابوعون رحمه الله، على مائدته المعتادة في حديقة فندق الماريوت. وقتها كان عمر لاجئا سياسيا في قاهرة المعز، وكانت العلاقات بين ليبيا ومصر مقطوعة، والاتصال بالأهل محدود. وفى تلك الأيام تعسرت الأمور المالية لأخينا عمر إضافة إلى انتهاء صلاحية جواز سفره. اختفى عنا فترة وعندما عاد كان مبتسما مبتهجا، فسأله ابوعون: أكيد وصلت القريشات، او حصلت على جواز سفر فأجاب: لا هذا.. ولا ذاك، ولكن سينزل المطر. فقال له ابوعون : أوضح . فقال: في الأربعينات، جاءنا عام جدب شديد جاع فيه الناس حتى وصلت فيه الامور إلى اكل الناس فيه جيف الحيوانات. في جادو كان لدينا رجل درويش، يراه البعض رجلا مباركا والبعض الآخر يرونه متخلفا عقليا. عندما أجتمع الناس في المسجد لصلاة الاستسقاء والدعاء والتضرع بأنزال الغيث، وقف الدرويش على باب الجامع، وصرخ فيهم: صلوا، ولا ما تصلوا، المطر بينزل .. بينزل. وعندما امسكوا به ليعاتبوه صرخ قائلا: الدنيا ما وفت، والقيامة مازالت، وبيش تعيشوا لازم تنزل المطر. في اليوم التالي نزل الغيث من السماء. منذ أيام زارني الدرويش في الحلم وقال لي: لا تحزن سينزل المطر. الغريب انه وبعد فترة قصيرة التقى العقيد معمر القذافى والرئيس المصري حسني مبارك في مؤتمر القمة العربي في المغرب وتمت المصالحة وعادت العلاقات والتقى عمر بعائلته وانفرجت الامور ونزل المطر.
أين نحن من الأزمة؟
تذكرت الحكاية، فنقلتها لكم كخراف أم بسيسي، كجرعة مهدئة، تخفيفًا لمشهد الرعب الذي نعيشه ويعيشه العالم مع تفاقم أزمة كورونا، والتطورات المتلاحقة لتسارع انتشار الوباء في دول من المفروض انها الاكثر تقدما علميا، والأكثر ثراء اقتصاديا، مثل أمريكا والصين إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. وما تبعه من تصدع في العلاقات بين امريكا وحلفائها التقليديين في أوروبا، منذ بداية المحنة، وظهور أعداء الامس مثل الصين وروسيا وكوبا في صورة المنقذ، مقدمين الدعم الطبي والتبرع بالمواد والأجهزة للدول الاكثر تأثرًا في القارة الأوروبية. وسط كل ذلك يلاحقني سؤال أين نحن في ليبيا الوطن من كل ذلك ؟، نعم نحن ولهذه اللحظة لم تظهر لدينا أصابات ولله الحمد، ولكننا لا ندري إلى أي سيناريو يتجه نحوه الوباء في العالم، وخاصة في دول الجوار المحيطة بنا. فحالة الفوضى التي نعيشها كوطن، والصراع المسلح المدعوم بقوى خارجية، وتواجد مرتزقة اجانب يقاتلون مع الجانبين على أرضنا يدفعني بأن أتساءل: هل ستحدث المعجزة وينزل المطر؟
فى المشهد الدولى يرى المحللون أن كل الاحتمالات مفتوحة، وأن هناك مؤشرات تبعث على الآمل والتفاؤل، وأخرى مخيفة إلى درجة الرعب، على مصير البشرية. على اعتبار اننا لا نعيش فى مواجهة أزمة صحية فقط وإنما نحن مقبلون على أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية. موقف لخصته المستشارة الألمانية ميركل بقولها:[ الأزمة تمثل اكبر تهديدا للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية،ولكن علينا عدم الاستسلام للذعر ،وايضا عدم الاستهانة بالأمر ].
التضامن والتراحم
الأمل للخروج من الأزمة قائم، والتباشير بدأت بانحسار الوباء فى الصين، ولكن علينا أن نتذكر جيدا أن ذلك كان بفضل التنظيم الدقيق والجدية والانضباطية والروح الجماعية، وهذا هو المطلوب منا تطبيقه. بقى الأهم وهو ما بعد الوباء من توابع اقتصادية واجتماعية، وهي المراحل الاكثر صعوبة والاشد قسوة، والتي ليس أمامنا لمقاومتها سوى بالتضامن والتراحم بين كل أفراد الشعب الليبي، لا غنى لأحد عن الآخر . تأملوا المشهد جيدًا .. فليس لديكم سوى أوطانكم. لا تقنطوا من رحمة الله، واصلوا الدعاء والعمل معا،وتراحموا فيما بينكم، عندها سينزل المطر.
* الصورة:1945م ، عام الجرامات، أو عام الجوع ،منشورات صفحة اسامة وريث.