- المهدي يوسف كاجيجي
بعد سقوط نظام سبتمبر بقليل، قامت مجموعة مسلحة بالهجوم على المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية “مركز جهاد الليبيين سابقًا. كان الهدف الاستيلاء على مجموعة السيارات الواقفة في ساحة المركز، وسرقة المقر .كان الوقت بعد نهاية العمل الرسمي، فتصادف مع تواجد موظفة من قيادات المركز التي ارعبها المشهد، فما كان منها إلا أن قامت بطرق ابواب البيوت السكنية المجاورة، مطالبة بالعون والمساعدة، فكانت الاستجابة سريعة، وارتفعت اصوات الناس بالتكبير، فهرب المهاجمون.منذ ذلك التاريخ، لم تتوقف عملية الهجوم المتواصل على المركز، بهدف تصفيته وسرقة محتوياته.
استخدمت فيها كل وسائل الترغيب والترهيب، إضافة إلى الحصار على انشطته وافتعال الازمات المالية وتجميد كل مشاريعه التطويرية، من اهمها الانتقال بالمركز من حفظ الوثائق بالطرق التقليدية إلي النظام الرقمي. وتطور الأمر الى ارهاب العاملين فيه من قيادات ادارية وفنية، بالاستدعاء المتواصل للتحقيق من قبل ميليشيات مناطقية، حيث تم أكثر من مرة اعتقال رئيسه، وهو أحد القامات العلمية على المستوي الوطني والدولي، واحتجازه واهانته والتحقيق معه. أخيرا، أتت المسرحية الهزلية وهي مطالبة المركز بإخلاء المبني الذي يشغله خلال ثلاثة ايام، او دفع الايجار الذي تم رفعه من الفي دينار إلى مائة ألف شهريا، كل ذلك على مرأى ومسمع من القيادات السياسية لحكومة الوفاق، التي من المفروض ان المركز يتبعها.
مسح لذاكرة وطن !
أنا هنا لا أقدم تقريرا عن المركز ومحتوياته، ملايين المخطوطات والوثائق والكتب والتسجيلات، وماذا قدم من خدمات للباحثين وللدولة، فهذه معلومات متاحة بنقرة إصبع على لوحة مفاتيح في حاسوب اي باحث. ولكن الذي اريد إلفات النظر اليه، أن ما يحدث من عراقيل للمركز هو جزء من مخطط شامل لعمل منظم، الهدف الحقيقي منه هو التدمير والتخريب لذاكرة وطن بكامله، يبدو الأمر فيها كمحاولة سرقة، او خلاف بين فرق دينية متناحرة وهذا ما شاهدناه في حملة الهجوم على الاضرحة والزوايا والمساجد، حيث تم هدم وازالة الضريح وملحقاته، وخلال هذه الفوضى يتم سرقة المحتويات من نسخ اصلية لمخطوطات لحقب تاريخية قديمة، ومصاحف نادرة، ولوحات جدارية لخطوط فريدة تتضمن آيات قرآنية كريمة وأدعية ، وعلى الفور يتم ترحيل المسروقات إلى الخارج للزبون المنتظر. ولم يقتصر ذلك على المقتنيات والاثار الدينية المتوارثة بل امتد الى قطع من الاثار النادرة من تماثيل ولوحات من الفسيفساء وتماثيل تعبر عن حقب قديمة وحديثة، وتمثال الغزالة الشهير ليس ببعيد.من سرق تسجيلات خيمة القذافي ؟لم يقتصر الأمر على ذلك فهناك معلومات تسربت عقب سقوط النظام، عن أن الارشيف الامني للدولة الليبية قد تم نقله وتسليم اهم ملفاته لدولة خليجية، وفي يونيو من العام الماضي تسربت معلومات اشار لها الكاتب والصحفي الأستاذ بشير زعبية على صفحته تحت عنوان (من سرق تسجيلات خيمة القذافي ؟ )
قال فيها : [على خلفية تحقيق النيابة العامة الكويتية مع النائب السابق مبارك الدويلة في قضية «تسجيلات خيمة القذافي».. أقول إن ما يتم تسريبه من هذه التسجيلات، متضمنا ما دار في لقاءات جرت بين القذافي وعديد الشخصيات، هو جزء من أرشيف الدولة الليبية، يجب أن يكون ملك الدولة الليبية، ولها وحدها حق التصرف فيه، فهي تسجيلات توثق لأهم ما كان يجري في مقر أعلى سلطة في البلاد من لقاءات تتضمن دون شك ما يدخل فيما يسمى بـ«أسرار دولة»، إن هذه التسجيلات قد تحتوي على عديد من المعلومات التي تساعد على فهم جملة من القضايا وفك ألغاز بعض الوقائع المهمة بالنسبة للدولة الليبية، فمن حقها أن تكشف عمن سرقها وسربها أو باعها، وملاحقته قضائيا.] ولعلمي حتى ألان لم يتحرك أحدًا.شعب من اللقطاء ! اذن ايها السادة، الموضوع ليس قضية خلاف علي مبنى وقطعة أرض وقف، الموضوع اكبر من ذلك، هو محاولة منظمة متواصلة لسرقة ومسح كامل لذاكرة وطن وتاريخه ، والتخريب والتدمير الممنهج لكل الوثائق والمستندات والادلة التي تضمن حقوق شعبه، عبر كل الازمنة والحقب التاريخية، حتى لا يستخدمها بالمطالبة بحقوقه المشروعة التي سلبت منه عبر الحقب التاريخية المتلاحقة.افيقوا يرحمكم الله، انها قضية وطن ورَثْناه وعلينا ان نُورِثَهُ. وما يجري عبر توظيف الخلافات المناطقية والحروب الاهلية والصراعات العقائدية، كل ذلك من اجل هدف أكبر، هو تجريدنا من حقوقنا واصولنا وجذورنا، لنتحول في النهاية الى شعب من اللقطاء فاقد الذاكرة لا أصل له ولا جذور.•
الصورة: غلاف كتاب (GENOCIDE IN LIBYA) الإبادة الجماعية في ليبيا، المؤلف الاستاذ الدكتور على عبداللطيف احميده ،الكتاب واحد من أكثر عشرة كتب قراءة في عام 2020 ،كتاب استغرق تأليفه اكثر من عشرين عاما، منها عشر سنوات من العمل الميداني ،وهو دراسة فريدة ونادرة ووثيقة تاريخية عن التاريخ المجهول لحرب الإبادة ومعسكرات الاعتقال الجماعية والتهجير التي تعرض لها الشعب الليبي خلال الحقبة الفاشية ما بين عامي ( 1929 – 1934 ).