متى نتعظ ؟

متى نتعظ ؟

محمود السوكني

الحياة مواعظ وعبر ودروس تعلمنا وتهدينا وترشدنا حتى لا نقع في مواقع الزلل ، الحوادث التي مرت على البعض منّا ، حري بها أن تكون منارات تنير دروبنا ، وتضيء مساربنا في قادم الأيام .

 لكننا لا نتعظ بكل أسف ، لأننا لا نستفيد من تلك الدروس رغم إنبهارنا ساعة حدوثها ، وإنشغالنا بتفاصيلها ، وتبرعنا برواية وقائعها بل والتباري في إضافة بعض الفصول من المخيلة المتحفزة لذلك ؛

تمر علينا أحداث شتى فيها من العبر ما يستحق الوقوف عندها والتمعن في حيثياتها والتعلم منها ، لكننا سريعاً ما نغفل عنها ، ونطويها حتى نكاد ننساها ، وإذ بنا نعيشها مرة أخرى ، وقل مرات ، وفي كل مرة نتجرع مرارتها ، ونحس ألمها ولا نتعظ !

أقوال كثيرة مأثورة نرددها ولا نعمل بها ، كأن نقول (المرء لا يقع في جحر مرتين) لكنه يقع مرات ومرات دون أن يتعلم الدرس من المرات السابقة ، هناك أمثلة عديدة على ذلك ، نحن على سبيل المثال لا نحسن إختيار أصحابنا ، فكم من صاحب خلته صديق العمر فإذ به في لحظة غير محسوبة يتحول إلى ألذ الأعداء ، وكم هم الذين إتهمناهم زوراً وبهتاناً بعكس ما فيهم ، لنكتشف بعد ذلك أنهم كانوا الأصدق والأقرب إلى حواشي القلب .

هناك من منحناه كل الود ، وغمرناه بسلال من الحب ، وهو من أوغر صدور الناس علينا وأقنعهم بما ليس فينا .

لكننا لا نستخلص العبر ،  ونسارع إلى إرتكاب نفس الأخطاء في كل مرة وإن تعددت الأوجه وإختلفت الصور .

 كل هذا لأننا لا نريد أن نستفيد من أخطائنا ، وهذا يتجلى بوضوح في الحراك السياسي وتعامل المرء مع شخوصه ، فأنت تجدنا نصفق لهذا ونمدح ذاك لإنبهارنا بالحملة الإعلامية التي تسوق لإنجازاته رغم أننا نعلم علم اليقين أن ما يروج له ليس سوى فقاعات صابون تذروها نسمات الواقع المرير الذي نعيشه ، وأن ما يعدنا به لا يعدو أوهام وأكاذيب لا تتجاوز ناقل الصوت الذي تقيأت عليه . و..مع ذلك ، وإقتداءً بذاكرة السمك ، تأخذ ألبابنا البسيطة أول إطلالة فاقعة اللون لذلك الدعي ، وتبحر بنا بعيداً عن أرض الواقع لنغوص في بحر خياله الخصب ، ولا نعود إلا بخفي حنين !

لا يتوقف الأمر عندنا فقط ، فهناك في بلاد الفرنجة التي تدعي شعوبها سعة الآفق ، وغزارة المعرفة ، والخبرة في التعامل مع رجال السياسة والاعيبهم ، تجدهم هم الأخرين ينجدبوا نحو المرشح الذي يبهرهم بإطلالته ، ويسلب عقولهم بوعوده الحالمة ، ولا يكاد يفوز بثقتهم حتى ينقلب رأساً على عقب ، ويتنصل من وعوده تباعاً ويأتي بعكس ما كان يقول ، وهو في هذا يظهر وجهه الحقيقي الذي إستعار غيره لزوم الحملة الإنتخابية ، وعند الإعادة لا تكون هناك -للأسف- إفادة ؛ فرغم كل ما سبق ، تجد طوابير البلهاء تتدافع للتصويت لذلك الأفاق من نفس الناخبين الذين خذلهم في المرة الأولى بعد أن نسوا ذلك ، أو غفروه له ، وهكذا دواليك .

الحياة تمنحنا الفرص لتجنب تكرار اخطاء من سبقونا عندما تعيد على مسامعنا تفاصيل تلك الأخطاء ، فهل يعقل أن ننجرف إليها وندعن راضين لتكبد عواقبها رغم علمنا المسبق بكل وقائعها ؟!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :