كتب :: عابد الفيتوري
” مرسى فاطمة ” رواية اخرى للروائي الارتري حجي جابر بعد رواية ” سمرويت ” الشهيرة .. مرسى فاطمة اسم الحي المدينة التي استقبلته ، وترعرع بعبق ازقتها وحاراتها بعدما ترك قريته في الارياف .. وحيث عرف قصة عشقه وغرامه ” بسلمى ” التي ظلت ترافق سردياته وخياله القصصي الرائع خلال الرواية بأكملها .. رحلة البحث عن سلمى واقتفاء اثرها وقد غابت عن الانظار .. وتجشمه المغامرة بالتنقل من هنا الى هناك .. يقتفي اثرها فيما يعتقد انها الجهة التي اختارت النزوح اليها .
الرواية تعالج ما هو اهم من وجع فقد الحبيبة والزوجة ، وجع فقد الوطن اريتريا ، بعدما سطت الحركة الشعبية على مكتسبات ثورة التحرير والاستقلال عن اتيوبيا .. لتزيح جبهة التحرير واقطابها من على واجهة المشهد السياسي ، وتستأثر بمقاليد السلطة وصنع القرار .
مرسى فاطمة .. قصة اوجاع المواطن الارتري الباحث عن فرصة للهروب خارج اسوار الوطن الزنزانة .. ” لسنا ضد الوطن .. لكننا ضد استغلالنا باسم الوطن ” .. . خيارا اريد له ان يكون نهاية التعب ، فصار اول منازله .. نهرب من الوجع اليه .. تتقلصالخيارات في لحظات اليأس .. لا اقسى من المفاضلة بين وجعين .. خيارا واحدا غارقا في المرارة .
المغامرة بالهجرة نحو البلد الجارة .. السودان .. كانت احدى محطاته في اللحاق بسلمى المفقودة .. رحلة مثخنة بالجراح .. يلتقي خلالها بأبنا جلدته .. يحكي آلامهم القاسية .. وضنك العيش بمخيمات الحجز الحدودية .. الى مخيمات اللاجئين الارتريين بارض السودان .. الى حكايات اخرون غامروا للحاق بوهم اخر عبر مصر وسيناء نحو اسرائيل .. حلمهم .. مجند بجيش اسرائيل .. فرصة تتداول على الالسنة لتصبح حلم موعود .
يمضي الوقت وقد تغمس بالكدر .. يئد الاحلام في مقتبل البهجة .. يختنق الصدر تحت وطأة ما يجري .. سلمى تميل الى الطول ، سمرتها صافية وشعرها اسود كثيف ، على تخوم شفتها العليا شامة خفيفة ، ولها لثغة ساحرة في الراء .. تستحق كل هذه المغامرة المجهولة النهايات .. والتي اطلعته رحلة البحث عنها .. واللهات خلف اثرها ، على اوجاع اخرى لا تقل قسوة عن اوجاع طردت المواطن من وطنه .. عذابات التجنيد الاجباري تعادل مشاق التنقل في الخفاء عبر الحدود .. ومشهد الكالحين المعذبين .. مقايضتهم ببيع اعضاهم لمواصلة الرحلة نحو الهدف .. بل وتغيبهم وسرقة الكلى من احشائهم عنوة .. ولا تسل عن الالم المضاعف لتلك النسوة المغتصبات عند جميع المحطات .. ومن هن يعانين داء الايدز بالمخيمات .
مرسى فاطمة .. قصة شعب نكب باسم الثورة والوطنية فاصبح مطاردا بلا وطن .. ” بدأ صدري يختنق تحت وطأة ما يجري ، فنهضت مذعورا وسعالي يتلاحق مع انفاسي المتقطعة .. متى ينهي هذا الليل زحفه البطيء ويغادر
.. باتت رأسي ساحة حرب لأسئلة متناقضة ، لا ينتصر فيها طرف إلا بهزيمة الاخر .. يا الله .. ما اقسى ان تصبح كل القرارات مصيرية .
سأضع تعبي جانبا .. سارتدي تعبا اخر .. ساتقلب في ذاكرة حارقة
لا يترك الواحد منا وطنه ما لم يقم الوطن بذلك اولا . . روحي الهائمة في قيظ لا ينتهي .. اسقام الفقد وفواجعه .. ازمنة العتمة .. الملم شتاتصور المكان .. اسعى جاهدا لاطرد ارتباكي .. اهز جذوع الكلام .. وجعي يتعاظم فيبتلع قدرتي .. هذا الفقد ينهش روحي .. متكدسا بأوجاعي .. عمرا من التعب يجتاحني .. افتش عن طن ينهي صهيد اغترابي .. لقد بلغت حيرتي منتهاها .. قواي تتسرب .. انزلت اشرعتي .. وأحرقت مراكبي .. عتمة الليل تبدد سيل افكاري ”
هذا الحزن المعتق في عينيه .. في جسده النحيل .. وقد ارتطم وجهه بعتمة آخر النفق .. يضطره ثانية الى العودة للوطن .. الى مرسى فاطمة .. يعانق الجدران التي لا زالت تحتفظ بعبق روائح سلمى .. سلمى المفقودة الضائعة كما ضاع الوطن الحلم .. تتلاشى الاحلام .. وكمن اراد التخلص من وجع يده فقطعها .. يا لهذا الوجع .. وقد غدا كل شيء .