مغرومين بحسنك ديما

مغرومين بحسنك ديما

تنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة 

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

اطرابلس، لابد أنها تتلألأ كما شأن كل عواصم العالم، لكن في عيون من؟

كنت نشرت على صفحتي على فيس بوك، فيديو قصير لأطفال من دولة إفريقية جنوب الصحراء، يرقصون على أغنية من بلادهم، وكان المكان الذي صار مسرحهم طريق ترابي تحول قرب البقعة التي اختاروها للرقص إلى طين بسبب بركة صغيرة من المياه وعلى جانب الطريق كانت متاجر متهالكة تشغلها سيدات بدون أمهات أو جارات وربما غريبات عن الفتية والفتيات الراقصين مثيرين الغبار مع وقع أرجلهم على الإيقاع، التصوير اعتمد على ألا يزخرف المكان أو يبحث عن أمكنة جميلة متوافرة بكثرة في كل الدول الأفريقية بلا استثناء كشأن ليبيا، بالتأكيد لم يحصد الفيديو على صفحتي غير لايكات شحيحة، لكنه حصل على تعليق وحيد يتحدث عن رقصهم وضحكهم كرمز للقوة برغم بؤس حالهم، وهكذا بدا أن البؤس يمكن الحكم عليه من مشهد الطريق الذي لاينم إلا على الفقر كما ذكر التعليق، ولكن كيف عرفتِ: هكذا سألت صاحبة التعليق، كنت وقتها مستغربة من هذا الحكم المطلق، لأنه وفي ذات الوقت لايبدو الطريق ذاك حيث يعلو الضحك والرقص والموسيقى مختلفا عن طرق وأزقة أغلب مدن ليبيا بما فيها اطرابلس، الفرق انها ساكتة، لا موسيقى ولاغبار يعلو من فرط الرقص، ولا بهجة تثيرها في النفس عيون اللؤماء الصغار وهى تلمع بالاستمتاع، ومع هذا لا أحد منّا مقتنعا أننا فقراء وبؤساء ولايرقص أطفالنا في أزقتنا البائسة تلك.

أحلى مدينة

استمعت خلال اقامتي في هولندا إلى الأغاني الهولندية، وعلى الأقل سمعت أغنيتين عن روتردام حيث أقيم، وأغنية واحدة عن دنهاخ(لاهاي)، ولكن هناك أكثر من عشر أغان عن امستردام، أو جابت سيرتها، ومايميزها كلها، أنها قصص عبرت خلالها، أو عاشت فيها أو صور عن الطابع والثقافة الخاصة بأمستردام، أعني أي أغنية من التي سمعتها أو قرأتها كشعر أساسها الناس العاديين، سكان المكان وليس لها أي طابع سياسي فيما عرفته حتى الآن، لذا تبدو اطرابلس أم السرايا والشط والهاني كما وصفت في (رحلة نغم) هى أكثر الأغنيات عن طرابلس كمكان وناس، ولكنها حتى تصل إلى البنت الطرابلسية، وفرّاشيتها، والذي بصورة ما ليست لها خصوصية إلا في لونها (لازم أبيض)، وطريقة لبسها.

 ركز مقطع طويل عن الحرب والنضال، أعني أنها لم تكن أغنية مدينة لابد أن تمر بما مرت به، وأنه جزء من تاريخ المدن، ولكن ثمة أغنية أخرى استبدلت طرابلس بليبيا في أغنية برّ الزهر والحنّة، وهى أغنية تونسية ، فيما عدا ذلك تقريبا، الأغاني في مجملها سياسية، خصوصا أثناء وبعد ثورة 17. خصوصا وأن جزء هام من تاريخ هذه البلاد أخفى ، فطرابلس التي انحصر اسمها الآن في قلب المدينة وضواحيها، يبدو مسلولا من تاريخها الأكبر، المدون في الحوليات الطرابلسية.

لذا، لا يبدو تصنيف اطرابلس كثاني أسوأ مدينة ملائمة للعيش* غريبا من زوايا كثيرة، يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، إنها غائبة تقريبا كمدينة كبرى، تاريخها كمكان حكم امتد من القرن التاسع الميلادي وحتى الآن، ومينائها الطبيعي، وموقعها الجغرافي في الشمال الأفريقي، إنها غائبة تماما، وكل ماظهر منها حتى الآن، مالم يكن بالإمكان اخفائه، السرايا، وما شيده بالبو، لذا تشبه في حالها زمنا كانت فيه منفى للمجرمين وسوقا للعبيد الأوروبيين. فالميناء لايصدّر فقط بل ويستورد أيضا. إنه قدر الموانئ على أيه حال.

معايير

مؤشر أكثر المدن ملائمة للعيش، نعم ، فالمؤشر يضع معايير الملائمة للعيش، وبالتالي مالن تنطبق عليه هذه المعايير من الأماكن الأهم في العالم وهى العواصم، فإنها بالتأكيد ستوضع في ذيل القائمة، أي أن الهدف هو النجاح في المعايير والتنافس على المراكز المتقدمة، وهذا أصل وهدف الأبحاث الصادرة عن وحدة الدراسات الاقتصادية التابعة لمجموعة ( Economist –الاقتصادي)، وحيث أن الوعي الجمعي في ليبيا مازال يشكك في كل ما يمس نرجسيته بسوء، لأنه في المقابل سيصدق أي شيء ينفخ في الذات الليبية، مهما كان مصدرها، لذا يمكنني تفهم أن يشعر الليبيون بالاهانة من كون العاصمة التي يحج إليها الليبيون على أنها روما، ويبغضها البعض لأنها تستحوذ على مفاتيح الجنة وخزائن المال العام، إنها بدورها مهمشة، وأنها في قائمة من 173 مدينة تأتي في المركز ماقبل الأخير من حيث جودة الحياة، ولماذا اتفهم الدهشة وكلمات من نوع( هي سيئة لكن مش للدرجة هاذي) لأنه وعلى مدار ستين عاما على الأقل وجيال عدة، لم تكن مفردة معايير، وجودة الحياة مفردات متأصلة في الإدارة المحلية، وفي لغة الصحافة، وبالتأكيد ستكون شأنها شأن الكثير من المفردات التي لم يسمح لها بأن تنبث وادير عروق في الوجدان، بل محيي باستهتار إن لم تكن بصرامة كل أثر لهذه البذور كما اختفت الحلفا والزهر والحنة، وطبعا تمثال الغزالة.

جودة الحياة، لنكون أكثر اندماجا في العالم لابد أن نعرف ما يعرفه العالم، فالجودة الليبية للحياة كما يظهر ويختفي حينا وذلك حسب ظروف من يحكم، أن تحصل على حاجتك من غير دعاك، أن تحصل على حاجتك أصلا، سبيزة، سلع معمرة، أحذية، أرز لا يتكسر اثناء الطبخ، مكرونة ماتعجنش، طرف شكلاطة، تفاح وموز، وصولا إلى واسطة في اي مصلحة بما فيها مركز الشرطة والمستشفى، والتسجيل في المدرسة الابتدائية، وسحب النقود من حسابك، تلقى مكان وين ادرّس سيارتك، انه فيه سيولة، إنه فيه ضي، تغطية الموبايل والنت فيه حتى لو في تركينة ما من البيت، وإنه لبنيّات متحجبات لذا ستبدو جودة الحياة حسب ال إيكونوميك البريطانية، محض تسييس. عند كثير من المعلقين، وحقد دفين من بعض الدول، حاسدينكم كما قال أحدهم.

غير أنه ما يلفت النظر إلى أحد معايير الـ إيكونوميك (جودة التعليم)، هو قرب تزامن التصنيف مع استقالة مدير المركز الوطني للامتحانات، بسبب ظاهرة الغش في امتحانات الشهادة الإعدادية التي وصفها السيد أحمد مسعود بأنها ممنهجة لأنها تتم باشتراك وتواطئ من أعضاء هيئة التدريس، ورؤساء اللجان، فيما تفيض صفحات فيس بوك بنسب النجاح،و التهاني، وبأحلى مدينة اطرابلس.

من معايير جودة الحياة، أن نعرف المعايير، لنعرف الحياة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :