أ- محمد علي
باختلال الأمن تُقتَل نفوسٌ بريئة، وتُرمَّل نساء، ويُيتَّم أطفال، إذا سلبت نعمة الأمن فشا الجهل، وشاع الظلم، وسُلبت الممتلكات، وإذا حلَّ الخوف أذيق المجتمع لباس الفقر والجوع، ولعل أكثركم رأى بعينه في سنوات مضت كم من البلاد حولكم عاقبهم الله بنزْع الأمن والأمان من بلادهم، فعاشَ أهلُها في خوف وذُعْر، في قلقٍ واضطراب، لا يهنَؤُون بطعام، ولا يتلذذون بشراب، ولا ينعمون بنوم، الكل ينتظر حَتْفَه بين لحظةٍ وأخرى!
نسأل الله العافية،
قال الله سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]، قال القرطبي رحمه الله: (سَمَّى الله الْجُوع والْخَوْف لِبَاسًا؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْهُزَالِ وَشُحُوبَةِ اللَّوْنِ، وَسُوءِ الْحَالِ مَا هُوَ كَاللِّبَاسِ) .
وحق على كل مسلم أن يعمل جاهدًا على استتباب الأمن والأمان، وأن يكافح من أجل تحقيقه، وأن يقوم على توفير أسباب جلب الأمن والأمان، ومن أهمها:
أولًا: الإيمان والتوحيد، وإقامة شرع الله تعالى، وهذا هو وعد الله في قرآنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
وفي سبب نزول هذه الآية يقول أبو العالية: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أُوحي إليه خائفًا هو وأصحابه، يدعون إلى الله سرًّا وجهرًا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام: «لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس عليه حديدة»، ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيَّه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا؛ (تفسير القرطبي)، وما زال هذا الوعد ساريًا في حق كل من استتم شروطه.
ثانيًا: شكر نِعَم الله تعالى، ومن أجلها نعمة الأمن، فإنه بالشكر تدوم النعم وتزداد، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، والعكس بالعكس؛ فبكفر النعم تزول، ويحل محلها العذاب بالخوف، وهذه حادثة واقعية قصَّها علينا القرآن الكريم قائلًا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
فقد كانت القرية في طمأنينة وأمان، وفي رزق رغد، فلما كفرت النعمة أبدلها الله الجوع محل الرزق الرغد، والخوف محل الطمأنينة والأمن، وذلك أيضًا قابل للتحقق في كل عصر إذا ما توافرت أسبابه.
ثالثًا: المودة والتآلف وإصلاح ذات البين: فالأمان والطمأنينة تبع ونتيجة لانتشار الحب والإخاء بين المسلمين، وقد حثنا رسولنا صلى الله عليه
، وقد حثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على الصلح بين المتخاصمين؛ فإن الخصومة هي بذر للخوف، وتبديد للأمن في المجتمع، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة» ؟، قالوا: بلى، قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة»، ويُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين»؛ (الترمذي).
رابعًا: عمل الحسنات واجتناب السيئات، فإن الذنوب والمعاصي نذير الشؤم، ومجلبة الشر، وحلول الخوف محل الأمن، وإن فعل الحسنات والقربات والصالحات أمان من كل خوف وفزع في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89].
خامسًا: الدعاء بدوام الأمن والاستقرار، فقد سمعنا الخليل إبراهيم عليه السلام وهو يدعو فيقول: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 126]، ومرة قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35]، فلندْعُ إذن لأوطاننا ولأهلينا ولبيوتنا ولطرقاتنا ولقلوبنا ولنفوسنا أن يرفرف عليها الأمن والأمان والطُّمَأْنينة والوئام والسلامة والإسلام، وأقِمِ الصلاة..