إعداد _خديجة حسن
كَثُر في زماننا هذا عقوق الآباء والأُمَّهات، وظهر من يرفع صوته على أبيه وأُمِّه، ومن ينظر إليهما شزرًا، ومن يحتقرهما ولا يراهما شيئًا، بل ومن يضربهما ويخرجهما من بيته أو بيتهما.
وقد خالف هؤلاء ما أمر الله تعالى به من برِّ الوالدين والإحسان إليهما وشكرهما واحترامهما، بل إن الله عزَّ وجلَّ قرن عبادته وحده لا شريك له بالإحسان إلى الوالدين، فقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23 – 24].
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان في العقوق شيء أدنى من كلمة «أُفٍّ» لحرمه الله.
وكذلك فقد قرن الله تعالى شكره بشكر الوالدين
فقال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].
وقال سبحانه: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [العنكبوت: 8].
وجعل النبي r عقوق الوالدين من أكبر الكبائر: وقرنه بالإشراك بالله عزَّ وجلَّ، فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثًا): الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور» [متفق عليه].
وجاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أُمُّك». قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك». قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك»: قال: ثم من؟ قال: «أبوك» [متفق عليه].
وقال النبي r: «رَغِمَ أنفُه، ثم رَغِمَ أنفُه، ثم رَغِمَ أنفُه». قيل من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما، ثم لم يدخل الجنة» [رواه مسلم]. ومعني رَغِمَ أنفُه: أي لصق بالرغام وهو التراب.
بل إن النبي r جعل برَّ الوالدين من أسباب مغفرة الذنوب، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي r رجل فقال: أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ فقال r: «هل لك من أُمٍّ؟» قال: لا. قال: «فهل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرَّها» [رواه الترمذي] وعند الحاكم وابن حِبَّان: «هل لك والدان؟» الحديث.
قصة أم
تقول احدى الأمهات: أنا أم في الـ63 من عمري، تقاعدت من عملي منذ ثلاث سنوات بعد أن أفنيت زهرة شبابي وأنا أعمل معلمة، 32 عاما لم أتذمر خلالها حتى لا أمنح نفسي الفرصة لأتوقف، فقد أصبحت أرملة وأنا في الـ 30 من عمري، وتحت جناحي ستة أبناء؛ أربع بنات وولدان، منحتهم وقتي وشبابي ومالي وصحتي، ولم أجعلهم يحتاجون إلى أي مخلوق في هذا العالم، ولم أشعرهم بأنهم أقل من غيرهم، مضت السنوات . وتزوجوا الآن جميعا، ولم يبق في المنزل سواي والخادمة، هم يزورونني أسبوعيا،
لكن أتعلمون ماذا يحز في خاطري؟! حين أرى صور بناتي الأربع وأبنائهن في الـ”سناب” وهم في طلعة في إحدى الحدائق أو في أحد المطاعم دون أن يدعونني إلى الخروج معهن، أو حين أعلم فيما بعد أن إحداهن كانت عندها مناسبة في بيتها دون أن تخبرني بذلك، كنت في البداية أغضب وأتضايق وأناقشهن في ذلك
فكن يقلن إنهن يقصدن بذلك راحتي وهدوئي، ورغم علمهن أن تصرفاتهن تلك تشعرني بالألم وتجرح مشاعري وتضايقني، إلا أنهن استمررن في ذلك.
أما الأبناء، فلا أعلم عن أمر سفرهم هم وزوجاتهم وأبناؤهم إلا حين يصلون إلى البلد الذي سافروا إليه، ويتصلون بي من المطار قائلين: “يمه إحنا في البلد الفلاني توصين على شيء منه”، أنا لا أريد منهم إلا أن يشعرونني بقيمتي في حياتهم، وأني لست غرضا قديما يعلوه الغبار فوق رف مظلم.
لو كنت عجوزا متعبة بالكاد أسير لعذرتهم، لكني من فضل الله تعالى علي أني أتمتع بصحتي وعافيتي، فلماذا يحرمونني من قضاء تلك الأوقات الجميلة برفقتهم وأبنائهم؟! أصبحت أشاهد “سناباتهم” وأكتفي بالدموع والصمت الذي يقهرني.
تساؤل هذه الأم وأجزم بأن غيرها كثيرات، يعانين من هذه المعاملة مؤشر يخبرنا أن هناك خللا في فهم بر الأمهات و”مداراة” خواطرهن، والرأفة بمشاعرهن في هذا العمر. لماذا بعض الأبناء والبنات يصنعون تعاسة قلب أمهاتهم خلال مواقف في منتهى الغباء..
أخي…اختي : اسعي إلى تعظيم والديك والإحسان إليهما، ولا تنسَ قول النبي r: «رضا الربِّ في رضا الوالدين، وسَخْطه في سخطهما» [رواه الطبراني].
أسأل الله تعالى أن يوفِّقَنا جميعًا للعمل الصالح..