أخي

أخي

  • أحمد الخالد

حين إصطحبتهُ للمرة الأولى للعبِ كرة القدم في مدرسةٍ إعدادية في إحدى ضواحي مدينة ريف دمشق.

تسلقت السور الذي يفصل المدرسة عن الشارع الرئيسي كما أفعل دائماً بكل سلاسة ورشاقة ،  ثم قفزت إلى داخل المدرسة التي كانت ملاذاً لأطفال العشوائيات الضيقة حين ينقطعون عن الدراسة في العطل. يحولونها إلى ملاعب بأرضٍ من بلاطٍ ورخام  ..

ظللت واقفاً في الطرف الأخر  من السور منتظراً (وائل ).

الفتى الهادئ قليل الكلام  والحركة .

لم يكن يشبهني بشئ . شخصيتان متناقضتان خرجتا من رحمٍ واحد. 

لم يكن معتاداً على شيطنات الصبا،كان الولد الهادئ المطيع الذي تتمنى الأمهات ابناً بنفس صفاته.

طال انتظاري  لعشر دقائق ، وكانت فكرة عدم قدرته على تجاوز السور المرتفع غالبةً  في رأسي  ، فلم يكن ذا باعٍ في أمورٍ كتلك.

بعد دقيقتين سمعت جلبةً على الطرف الأخر ، أُناسٌ يتخبطون . وأخرون يصرخون بأعلى صوتهم مطالبين بإيقاف أي سيارة  عابرة .

لم يكن زمن الهواتف المحمولة قد جاء بعد .

قفزت إلى الطرف الأخر من السور ،

لم استطع التحقق من المشهد لكثرة الرؤوس والابدان التي تحيط بذاك الشئ الملقى على الأرض ..

زاحمت الجميع حتى وصلت .

كانت أول جثةٍ قدر لي أن أراها في هذا العالم هي جثة أخي .

فتى جميل كعود الريحان ، ثُقبت حنجرتهُ بعد أن لمس سلك توترٍ عالي ، ففرغت شحنةٌ من الكهرباء أسفل ذقنه الناعم بقليل. .

لازلت أذكر وجهه الهادئ وتفاصيله المريحة حتى في موته.

كان اشبه بملاكٍ غالبهُ النعاس قاستلقى مستسلماً  في منتصف الشارع.

لم أعرف ماذا أفعل ، رحت اتخبط كمن مسهُ شبحٌ من الجان  .أصيح ، واهرول ذات اليمين وذات الشمال ،

وبكيت ،،بكيت كثيراً .حتى وصلت ذاك الحد الذي تورمت فيه حنجرتي وضاع صوتي ولم أعد استطيع الصراخ او البكاء ،

وكأن حجراً علقَ في منصف البلعوم،

 لا انا قادرٌ على ابتلاعه ولا على تقيؤه.

كانت أمي هناك، في المنزل تنتظر ولديها. الهادئ الذي تحبه ، والشقي الذي لا يكف عن تعذيبها ولا تتوقف بدورها عن توبيخه والجري خلفه في الازقة والطرقات .

لم أعرف كيف اخبرها بالأمر،  لا أنا ولا ابي الذي لحق بنا الى مستشفى (الخميني) في منطقة السيدة زينب .

فأوكلنا المهمة لخالتي الكبيرة  صباح،

لازلت اذكر المشهد عند باب دار بيتنا القديم.

وقفت خالتي بكل ثقلها ورزانتها مقابل أمي ثم قالت لها :

( بعرفك مؤمنة قولي لا اله الا الله ،

سكتت قليلاً بينما رددت أمي هذه الكلمات . ثم تابعت كلامها : الله اخد امانته وائل عند ربه)

لازالت الى اليوم  صرخت أُمي ترنُ في مواخير رأسي ، شعرت بأنها صرخةٌ تشق عباب السماء لعظم ماحملته من حزن وقهر ..

ثم اغمي عليها ..

—-

اليوم ، أجلس قرب أمي وأختي القادمة من بلاد الجليد ، نشاهد صورنا القديمة . تلك اللحظات المجمدة في ورقٍ مقوى،

وكلما مرَّت صورةٌ لأخي المتوفى ، نظرت إلي أمي تلك النظرة التي تقول  :

أنت السبب .

يا الله ما أصعب أن تكون في خُلد أمكَ،

 قاتل أخيك

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :