يونس عبدالسلام
” لا يشكل الموت حافزاً للكتابة، فاللحظة عادة ما تكون مزيجا من الصدمة والحزن والألم، لكنه أيضا يدفع نحو التعبير عن أولئك الأشخاص الذين رحلوا عنك إلى الأبد، رغم أن عيونهم لن تقرأ ما كتبت، وأذانهم لن تسمع ذلك أيضا. “
————————-
اتكئ برأسه إلى زجاج نافذة مقعده الذي كان يقله إلى أرض الوطن؛ انشغلت عيناه السوداوان بمراقبة أحداث الطريق ربما هرباً من قلبه الذي وضعه في صندوق بجانبه؛ غير أن عقله يتذكر أحداث ذلك الصباح الذي لم يختلف كثيراً عن باقي الأيام؛ فقد تناولا الإفطار معا والفرحة تعلو وجهها لأنها ستكون أم للمرة الرابعة، تجاذبا أطراف الحديث وكان لحملها النصيب الأوفر فيا ترى سيكون ذكر لينظم إلى أخيه ذو الخمسة سنوات ونيف، أو تكن أنثى وتشارك أختاها ذات الغرفة؟
لم تعلم أن الموت سيكون أقرب لها من موعد وضعها لطفلها المنتظر، فقد باغثها ذلك المرض الذي لم يمهلها كثيرا حتى نتحدث عنه، فما هي إلا ساعات على تمنيات الجميع بأن تكلل رحلة العلاج بالنجاح حتى عادت محملة في صندوق نعشها ليتم وداعها.
بعد أساكنها المنزل الأخير توافد الناس لتقديم واجب العزاء، وهو لم يزل غير مصدق لما حدث فكل يوم ينسى بأنه يريد نسيانها.
بيد أن المصيبة بلغت مداها، خاصة أن أبنائه لا يملوا السؤال عن أمهم فماذا يفعل؟ وما الذي يمكن أن يدركوه حتى يخبرهم بأنها لن تعود لملاعبتهم ومداعبتهم مهما امتد بهم العمر.
فقد أصبحوا يسببون له آلم إضافياً كلما رأهم؛ ولكن رغم ذلك أعتقد أن إيمانه بقضاء الله وقدره وكلماتها في رسالتها الأخيرة كانت سبب في صموده وتحمله أوجاع الفراق.
—————————–
¤ الرسالة الأخيرة ¤
لعل رسالتي الأخيرة لن تخلو من مشاعر الحب والحنان كما عرفتني بها دائما، ولن أبخل برش عطري عليها كي يظل معك مدى الحياة.
لكنها ستحمل في سطورها خبرين أحدهماً مفرح والآخر محزن؛ الخبر المحزن أنني سأكون قد فارقت الحياة وأنت تقرأ هذه الرسالة وأعلم أن الرحيل مؤلم ولا يمكن وصفه، إلا أن المفرح كوني سعيدة حقا وأعتبر نفسي محظوظة وغير نادمة على بذل كل ذرة طاقة لدي لأعيش حياتي بكل ما فيها معك وفي سبيل سعادتك، وكم أكره أن أكون سبب في حزنكم لذلك بدلا من البكاء أدعوكم للفرح بذكرياتنا التي عشناها والسعادة التي استمتعنا بها.
ورجاء لا تذكروني بالشفقة والحزن أمام أولادي ولا تخبروهم بأن السرطان هزمني، فإن أخذ مني كل شي تقريباً لكنه لم يستطع الاقتراب من حبي لكم.
أخيراً ينفطر قلبي لأنني مضطرة لأقول وداعا وكم أتمنى بمرور الزمن أن تبتسموا وتضحكوا وتدعو لي بالرحمة كلما تذكرتموني لأننا عشنا حياة رائعة حتى النهاية.