التربية والتعليم بين النظرية والتطبيق

التربية والتعليم بين النظرية والتطبيق

  • رضوان ضاوي

أستاذ باحث في الدراسات الألمانية، الرباط.

Rieger-Ladich Markus, Bildungstheorien zur Einführung, Junius, Hamburg, 2020, die Einführung.

ماركوس ريغر- لديش، مدخل إلى نظريات التعليم المؤلف، يونيوس، ألمانيا، 2020. عدد الصفحات: 230 اللغة: الألمانية.

       استند المؤلِّف الألماني ماركوس ريغر-لَديش، مدير معهد العلوم التربوية بجامعة توبنغن الألمانية ومحرر المجلة الفصلية للتربية العلمية وعضو في كلية الدراسات العليا، في هذا الكتاب “مدخل إلى نظريات التعليم” إلى مناقشته لنظريات أفلاطون ومونتين وهامبولدت وشلايرماخر، ليؤكّد الكاتب على أهمية تصوّرات هؤلاء العلماء في تطوير مفهومٍ معاصر للتعليم، مركّزاً في ذلك على المسودات النظرية التعليمية لتكون باعثاً له على التعامل مع تلك الآراء التربوية التي وردت في القرن العشرين. ورغم أننا نجد مصطلح “التعليم” بوصفه مادّة أساسية، في كل القواميس والمعاجم وفي الكثير في محركات البحث على الإنترنت، إلا أن هذا الاستخدام يظل عشوائياً، مادام تداول المفهوم لم يأخذ بعين الاعتبار ميزة تجاوزه للتعريفات التقليدية، وعبوره للتخصصات، إلا أن مصطلح “النظرية التربوية” يشير إلى مجال حيوي يهتم به خبراء من تخصّصات مختلفة، ذلك أنّ هذا الحقل العلمي “علوم التربية” لم يعد مقتصراً على تخصّص معيّن، بل تجاوز حدود الفروع العلمية، مما ساهم في فتح الباب على مصراعيه أمام ظهور نظريات تعليمية جديدة، تم تثبيت أسسها، وتحتاج اليوم إلى تنزيلها من برجها العالي إلى ميدان التطبيق والممارسة.

       أظهر ريغر اقتناعه بالنظريات والأبحاث التي تمّ تناولها في هذا الكتاب، لأنها تعتبر من كلاسيكيات العلوم الإنسانية والدراسات الاجتماعية والثقافية، ليس فقط من حيث المحتوى، ولكن أيضًا، من الناحية اللغوية، وهو ما يجعل من هذا الكتاب مُؤَلَّفاً موجَّهاً للمتخصّصين، وكتاباً تدريسيا وتعليمياً عامًّا موجّهاً  للدارسين والطلبة المبتدئين، ويستطيع الأساتذة المكوّنون في المدارس العليا لتكوين الأساتذة والمراكز الجهوية لمهن التربية والتعليم وتكوين المعلّمين الاستعانة به بوصفه منهاجاً أساسياً أو مكمّلاً عاماً لبرنامج التكوين التربوي.

        يعرض ريغر نبدة عن أهمّ النظريات التعليمية، ويقدم أهمّ المنظرين التربويين على نحو يدعو إلى التفكير النقدي في التربية والتعليم من خلال سؤال الحتمي الوارد في الكتاب بصيغة “كيف تبدأ؟”؛ وذلك لمعرفته بالمطبات التي يواجهها كل باحث في النظريات التعليمية، ولم يجد بدّاً من الدعوة إلى مناقشة منهجية تكشف عن الغموض وعدم الدّقة المفاهيمية التي تجعل استحضار الأزمات واستشراف المستقبل مرتبط بمشاكل كبيرة، باعتبار التعليم يرمز لعمليات التحرر الاجتماعي والفردي من القيود الثقافية والفكرية، ويخرج بنتيجة مفادها أن الغموض وعدم الوضوح(1) هما نقطتا بداية واستمرار النظرية التربوية. وعلى سبيل المثال ألّف الباحث يورغن إيكارت بلينتس في “نظريات التعليم”، ونشر دراسات مهمة تنتمي إلى سياق علم أصول التدريس باللغة الألمانية والفلسفة التربوية وعلم الاجتماع التربوي، وساهم بوضوح في الجدال الدائر حول مصطلح “التعليم” وفي النظريات التربوية، ولكن ليس بالعمق المطلوب في مثل هذا الموضوع، كما علّق مؤلّف هذا الكتاب.

       عرض المؤلف ريغر النظريات التعليمية والتربوية المختارة في سبعة فصول مرتبة ترتيبا زمنيا ابتداءً من أفلاطون إلى جوديث بتلر وغطت فترة تمتد من اليونان العتيقة إلى الزمن الراهن، أي لمدة ألفي عام، مع تركيز شديد على القرن العشرين الذي شمل خمسة فصول متتابعة، بينما تناول الكتاب النظريات التي ظهرت قبل هذه الفترة في فصلين فقط. هذا وقد شملت الفصول السبعة العصور القديمة وممثلين للنظريات التعليمية من العصور الوسطى وعصر النهضة وبداية العصر الحديث، مثل أفلاطون، والمعلم إيكهارت، وجيوفاني بيكو ديلا ميراندولا وميشيل دي مونتين.

        يبدأ الفصل الثاني بتحليل تأملات أفلاطون ورمزه عن الكهف، ثم يتلوه نقاش مع المعلم إيكهارت مؤسس “خطاب التربية”، وأخيراً يتناول هذا الفصل عمل بيكو ديلا ميراندولا “في كرامة الإنسان”، و”مقالات” في النظرية التربوية لميشيل دي مونتين. بينما درس المؤلف في الفصل الثالث مواقف فيلهلم فون هومبولدت وفريدريك شلايرماخر من النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث انتقل في هذا الفصل من بداية عصر النهضة مع مونتين، إلى النزعة الإنسانية الجديدة و”المؤسسون (المفترضون) للنظرية التربوية”. ومن أجل مواجهة التبدلات السائدة في كثير من الأحيان لهؤلاء المنظرين التربويين، يؤكد ريغر لديش على أنهم لم يكونوا مفكرين منعزلين، بل كانوا “جزءًا من شبكة فكرية متعددة الأصوات وواسعة النطاق”. هذا الاعتبار النقدي الأولي مثير للاهتمام، فبقدر ما ركز هومبولت بالأساس على تعليم الفرد، وسّع شلايرماخر أشكال معينة من التواصل الاجتماعي وأتاح فرصًا تعليمية موسّعة، وتعتبر ثقافة الصالون التي كانت متطورة في ذلك الوقت نموذجًا أوليًا للتواصل الاجتماعي، لأن عوالم مختلفة من الخبرة يمكن أن تلتقي فيها بطريقة محفزة.

     يسلط ريغر لديش الضوء على متطلبات النظرية التربوية في الفصل الخاص بشلاير ماخر، فبعد أن تعامل ريغر بالفعل مع الدراسات اللغوية لفيلهيلم هامبولدت(2) وتصوراته وعمله على العنصر الحواري للتعليم، قرأَ شلايرماخر على خلفية الأنماط الجديدة للعيش المشترك، كما كان سائداً في نظريات أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وقد أوضح المؤلف كم كان محفّزا ما قام به شلايرماخر لصالح نظرية السلوك الاجتماعي باعتبارها برنامجًا نظريًا تعليميًا مبكرًا، وتفكيره في المشاركة في ثقافة الصالون النابضة بالحياة في برلين من حيث تاريخ الأفكار، وفهم نمط تفاعل جديد ومهم بين الخاصة والعامة من أجل الإعداد بعناية للخطاب التربوي والتأكيد على أهميتها.

      وحسب المبدأ التوجيهي للنظرية التعليمية القائل: “إنّ الفرد المتفوّق هو ذلك الفرد الذي تلقى تنشئة اجتماعية جيدة”، يبرر المؤلف ريغر أهمية التعليم الذي يتجاوز نطاق الفرد، وجعل هذا المبدأ أساسياً وضروريا في النظرية التعليمية الأصلية التي تتجاوز المفهوم العام. وكان شلايرماخر قد أدرك هذا المفهوم، وكذلك ألمح ديوين إليه حين طوّر الرابط بين الديمقراطية والتعليم كنقد للتقاليد التربوية العتيقة.

     يناقش هذا الكتاب في الفصل الرابع هذه النظريات التعليمية مع جون ديوي ابتداءً من أوائل القرن العشرين، وتعرض الفصول الأربعة الأخرى ) من الفصل الخامس إلى الفصل السابع( آراء منظرين من النصف الثاني من القرن الماضي مثل: ماكس هوركهايمر، وثيودور و. أدورنو، وهاينز-يوآخيم هايدورن، وبيير بورديو، وممثلي الدراسات الثقافية، وجاك رانسيير، وجياتري شاكرافورتي سبيفاك، وميشيل فوكو، وجوديث بتلر. وقد كرّس المؤلف الفصل الرابع لجون ديوي، الذي يتم تقديمه بوصفه ناقداً لأفكار تعليمية إنسانية جديدة وممثلاً للتربية العملية والديمقراطية. ونظرًا لأن اعتبارات ديوي التربوية تهدف إلى زيادة تطوير المجتمع الحقيقي، فقد تم استقبالها غالبًا في البلدان الناطقة بالألمانية على أمل الابتعاد عن الإنسانية الجديدة أو الحداثة وإيجاد بداية جديدة لنمط مختلف من النظرية التربوية. ومع ذلك، يؤكد ريغر على عدم كفاية دراسة ديوي للواقع الاجتماعي في عصره، فعلى الرغم من أن ديوي قد تحمس بشكل مثير للإعجاب لفكرة وجود مجتمع ديمقراطي كبير، إلا أن من المدهش أنه لم يقل شيئًا عن العنصرية الحقيقية ضد الأمريكيين الأفارقة في الولايات المتحدة.

    يبدو أن ريغر لديش متحمس فقط لتلك النظريات التعليمية لديوي التي يمكن وصفها بأنها “نقدية”. لهذا يبدأ الفصل الخامس بمسودات متنوعة للنظرية التعليمية النقدية باللغة الألمانية، ويشير إلى اثنين من أبرز ممثليها؛ وهم ماكس هوركهايمر وثيودور دبليو أدورنو، والتربوي هاينز يواكيم هايدورن.

     أمّا الفصل السادس فيركز على النظريات النقدية من البلدان الناطقة بالفرنسية والإنجليزية مع بيير بورديو وممثلين مختلفين للدراسات الثقافية، فدرس النظريات التي تتعامل مع المؤسسات التعليمية وتساهم في إعادة إنتاج عدم المساواة الاجتماعية. في حين تمكن بورديو من توضيح كيف يرتبط تكوين الذوق بعمليات التمييز الاجتماعي، خاصة وأن الدراسات الثقافية تشير إلى الممارسات الثقافية المقاومِة والعمليات التعليمية التي تكافح بها الفئات الاجتماعية المحرومة من أجل توسيع نطاق عملها الخاص.

      وإذا كان جاك رانسيير قد صنف النظرية التربوية، فإن لديش ركز في الفصل السابع على تقييمه للعمليات التعليمية التي تتجاوز التعليم الرسمي، مما جعل النظرية التربوية خصبة بفضل نمط جديد من التفكير الفلسفي الذي يقضي بتجنب النقد الإيديولوجي. ويركز الفصل السابع على عمليات التحرر للفئات المحرومة، ومع ذلك، فإن دراسة كتابات جاك رانسيير وجياتري تشاكرافورتي سبيفاك تُظهر أن مثل هذه التحرر أو العمليات التعليمية لا يمكن أن تنوب عن المعلمين أو المثقفين أو الفئات الاجتماعية المتميزة في شمال العالم. ففي حين أن رانسيير يدعو إلى الاعتراف بالمساواة الفكرية “للبروليتاريا والعمال غير المستقرين في بلدان شمال الكرة الأرضية” مع المتميزين في شمال العالم، يؤكد سبيفاك أن وجود أطفال فقراء الريف في جنوب الكرة الأرضية دليل على أننا نحن أنفسنا ننتمي إلى الهياكل الاستعمارية (الجديدة).

      يمكن لريغر-لديش التأكيد مرة أخرى مع ميشيل فوكو وجوديث بتلر في الفصل الثامن، على وجهة نظره حول التعليم بناءً على ثلاثة عناصر: التخصيص، والتنشئة الاجتماعية والإدراك الثقافي، حيث يُنظَر إلى التعليم على أنه حدث معقّد ومختلط يشارك فيه فاعلون متنوعون، وهذا يشمل بالتأكيد الجماعة والأفراد، ولكن أيضًا المنظمات والمؤسسات وكذلك الترتيبات التقنية والمذكرات والقوانين الرمزية. وتساهم الإشارة إلى فوكو وبتلر إلى إمكانية فهم التعليم كشكل من أشكال التخصيص، والذي يمكن أيضًا البحث عنه وتتبعه تجريبيًا، مع التشديد على أن إعادة الصياغة التي يقوم بها المؤلف هنا للنظريات التربوية تقدّم منظورًا جديدًا لظاهرة التعليم.

     يستشهد لديش في الفصل التاسع والأخير؛ أي في الخاتمة، بثلاث تحديات تعتبر بالنسبة له “مسودات لنظريات تربوية معاصرة”. فوفقًا للمؤلف، يرتبط التعليم بالتوتر الذي يمكن تحديده باستخدام مصطلحات “النشاط / السلبية” و”الحدث / البنية” و”الفردية / الجماعية”، وبالعلاقة بين هذه المفاهيم، ويوصي باحترام هذه الازدواجية في المفاهيم، فلا يمكن التوصية بالنظرية التربوية للمستقبل إلا إذا كانت تربط بين أقطاب مزدوجة لهذه المصطلحات وتسمح بالتفكير في ثنائيات(3) وقوى متضاربة في نفس الوقت. وتحقيقاً لهذه الغاية، يدعو المؤلف ريغر إلى تطوير أساليب بحث جديدة، وفي العمليات التعليمية، والبحث تجريبيا فيها، والتي تم التغاضي عنها في المصادر السابقة، كما يشير إلى ثلاثة أنماط بحثية جديدة يستجيب بها “ممثلو النظرية التربوية” الحاليون للتحديات التي نوقشت أعلاه، وهي: البحث التربوي العملي، والنظرية التربوية التحويلية وتلك المستوحاة من العلوم الثقافية.

        إنّ هذا الفصل الأخير مهم لفهم موضوع الكتاب بأكمله، حيث إن المؤلّف يتحدث الآن صراحة عن رواد “خطاب النظرية التربوية” من خلال الذاكرة التأديبية، وعن تخصص يسمى النظرية التربوية. وعلى الرغم من التأكيد أيضًا في هذه المرحلة على أن الخطاب النظري التربوي يتغذى من مساهمات مجموعة واسعة من التخصصات العلمية، يبدو أن مهمة النظرية التربوية تطوير الأفكار المعاصرة والسياقية للتعليم والتحليل والتنظيم والمقارنة، والانفتاح على المناقشة والنقد.

        يمكن لنا أن نخلص إلى أن هذا الكتاب يشتغل بفهمين مختلفين للنظرية التربوية: تشير النظريات التعليمية إلى تلك المساهمات التاريخية إلى حد ما والتي تناولها في الفصول من الثاني إلى الثامن بوصفها محور المؤّلَّف. ويمكن أيضًا وصف مفاهيم النظرية التربوية الحالية، والتي تم تناولها في الفصل الأخير فقط، بأنها نظريات تربوية. وإذا شئنا تلخيص تصورات ريغر التربوية، فإننا سنشير إلى دمجه لمختلف النظريات، مما يحفز أنماط التفكير العالقة، فقد اتبع منهج التفكير في تكوين الذاتية المتعلمة، مما جعله يتجاوز الذاتية نفسها، ما أدى إلى تطوير النظرية. ولذا يعتقد المؤلف أن الجمع بين مختلف النظريات في سياق تربوي تعليمي تقدم وجهات نظر كاشفة حول أهمية التعليم وعلاقته بالفرد.

        إن هذا الكتاب الذي بين أيدينا مكرس لموضوع النظريات التربوية، وهو مدخل إلى النظريات التربوية، ويمكن أن يكون أيضا صالحا للمبتدئين في هذا المجال. وسيكون من المفيد أيضًا أن نسأل عن مقدار ما تتطلبه النظرية التربوية من نظرية. وإذا كان العديد من المؤلفين الذين تمت مناقشتهم لا يجعلون التعليم موضوعًا صريحاً في دراساتهم، ولكن ضمنيًا فقط، فإن المؤلف يدعو إلى تحقيق نظام تعليمي يستجيب لتطلعات الأجيال ويؤسس لمسؤولية اجتماعية شاملة تحتفي بالأهداف المكشوفة للإنسان. ولكن ربما يكون عدم وجود تعريف تمهيدي لـ “التعليم” هو بالضبط ما يجعل قراءة هذا الكتاب مهمة جدا. 

      في هذا المعنى، حذر المؤلف أنه ليس من السهل تحديد موضوع الكتاب بدقة، ويعزى ذلك وفقا للمقدمة(4)، إلى أنه على الرغم من مناقشة التعليم علنًا في مجموعة متنوعة من السياقات، إلا أنه يظل أحيانًا غير واضح إلى حد كبير ما هو المقصود بالتعليم في كل حالة. وهذا يفسر أيضًا المحاولات التي لا حصر لها، في الماضي والحاضر، “لتحديد ما نسميه التعليم”.  كذلك أنه يمكن استنتاج ما يتم تناوله عند الحديث عن التعليم من خلال النقاشات العامة حوله، فلا يكفي أن يتخصص المرء في فرع علمي واحد كي يستطيع توضيح مفهوم التعليم، إذ بالإضافة إلى العلوم التربوية، هناك عدد من التخصصات الأخرى – بما في ذلك الفلسفة والتاريخ واللاهوت وعلم الاجتماع والدراسات الألمانية – قدمت مساهمات مهمة في تحديد مفهوم التعليم. في المقابل، فإن اختيار ريغر-لدتش للنظريات التربوية، التي “يجب أن تلتقط شيئا ما من الطبيعة متعددة الأوجه للخطاب التربوي”، تتخطى اللغة الوطنية وكذلك الحدود التأديبية. إن موضوع هذا الكتاب هو النظريات التربوية بالمعنى الواسع. ويبدو هذا التركيز مشروعاً إذا أوضحنا أن هذا الكتاب يجذب جمهوراً واسعا من القراء، خاصة وأن المؤلف تناول بالعرض والشرح كلاسيكيات متعددة في تخصص العلوم الإنسانية، والدراسات الاجتماعية والثقافية، كما أن المؤلف حاول اضاءة مسألة عدم تحديد الخبراء لفهم موحّد للتعليم، وافتراضهم لتعدد المفاهيم التربوية غير المتجانسة في السياقات المختلفة في كثير من الأحيان.

     من جهة أخرى، أوضح المؤلف أن لنظرية ما بعد الاستعمار أهمية كبيرة في الفهم المعاصر للتعليم، على الأقل بالنسبة للمنطقة الناطقة بالألمانية. ويعد هذا تطورًا مبتكرًا لا ينبغي الاستهانة به، لأنه يشير إلى فتح الخطاب التعليمي في اتجاه الجنوب العالمي. وإذا أخذ المرء في الاعتبار اختيار نظريات التعليم الأولى – من أفلاطون إلى جوديث بتلر – على خلفية المناقشات الحالية حول إنهاء الاستعمار المعرفي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا لا يغذي مرة أخرى سردًا أوروبيًا يقترح التفوق المعرفي، فحين ندقق على ضوء هذا الاختيار، يبدو أن المساهمات الأساسية في خطاب النظرية التربوية قد تم تقديمها في المنطقة الغربية الأوروبية فقط، مما يمنح أيضًا دافعاً قويا للتفكير النقدي.

    لا شك أن خبرة المؤلف في المجال التربوي الألماني- الناطق باللغة الألمانية، واحتكاكه بالمنظرين التربويين وتعاملهم معهم، جعله يتوصل إلى مثل هذه النتائج المهمة، علما أن الأمر يتعلق أساساً بالتفكير النقدي ضمن الجماعة. بالتالي حاولنا في هذا العرض تقديم وجهة نظر الكاتب، وموقفه وتجربته التفاعلية في مجال النظريات التعليمية، الأمر الذي تؤكده توصية المتخصصين بإدراج هذا المدخل في مناهج الطلاب من مختلف التخصصات والفروع العلمية.

الهوامش:

1Jauss Hans Robert, Wege des Verstehens, Fink, München, 1994, S. 67.

-2Bauer Thomas, die Vereindeutigung der Welt, über den Verlust an Lehrdeutigkeit und Vielfalt, Reclam, Stuttgart, 2018, S. 37.

3Boubia Fawzi, von Deutschland lernen Goethe und Hegel, PalmArtPress, Berlin, 2021.Die Einführung.

4Rieger-Ladich Markus, Bildungstheorien zur Einführung, Junius, Hamburg, 2020.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :