محمود السالمي
التطوع، هو تقديم المساعدة والعون والجهد مِن أجل العمل على تحقيق الخير في المجتمعِ عمومًا. ولأفراده خصوصًا ، وقد أطلق عليه مسمى ( عمل تطوعي ) لأن الإنسان يقوم به طواعية دون إجبار من الآخرين على فعله ، فهو يأتي من إرادة داخلية، وغلبة لسلطة الخير على جانب الشر ، وهو دليل على ازدهارِ المجتمع ، الله كفيل وضامن للعاملين به ، أن يجزيهم به بأحسن ما كانوا يعملون ، وتعهد أن يضاعف لهم الثواب من ضعف إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى: (ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). وقال تعالى: « إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا..» (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
ولعلنا محتاجون إلى التذكير ، بضرورة المحافظة على روح العمل التطوعي ، والشامل في معناه العام ، الابتعاد عن الماديات ، والتركيز على إنجاز الأعمال التطوعية بروح التعاون ، والرغبة في المشاركة من أغلب أفراد المجتمع ، وأن لا يتحول إلى جمع للأموال ، واستغلال حماس الناس في الجباية غير الضرورية ، وغير المبررة ، وتضييق ذلك الأمر إلا في توفير الاحتياجات الأساسية لإنجاز العمل ، وضرورة أن يتم تحديد وقت لبدء العمل التطوعي، والانتهاء منه ، فلا يمكن أن يستمر العمل التطوعي مدى العمر مثلا .
ما نراه من تركيز على جباية الأموال من الناس ، حتى يصل الأمر إلى نشر صناديق للتبرعات ، وتحديد أماكن للتجميع، ودفع الناس للتبرع ، بالإعلانات عنها ، تحت مسمى( أعمال تطوعية ) هو خروج عن روح العمل التطوعي وسمو معانيه عن الماديات ، وجدير أن يسمى ( حملة تبرع ) لصيانة كذا ، وليس تطوعيا.
صحيح أن الناس والمحلات التجارية بحكم التعود ، والثقافة ، والرغبة في عمل الخير قد تستجيب لهذا ، ولكن الأصح هو أن يترك الأمر بالرغبة، فالعمل التطوعي لا يحتاج للمال فقط ، جهد الأشخاص ومشاركتهم أولى ، والأولى أن يتم مراعاة ظروف المواطنين ، الذين تأخرت مرتباتهم ، وداهمهم رمضان ، وسيستقبلون بعد أيام مصروفات العيد ، والله أعلم بحال الناس .
هذا لا يعني التقليل من قيمة الأعمال التطوعية ، وأهمية أن يشارك الناس فيها ، ولكن ما يجب الانتباه له ، أن الجهات التي تتولى مهمة القيام بدعوة الناس لدفع جزء من أموالها مهما كان هذا الجزء ، لابد أن تكشف للناس عن مصير هذه الأموال ، وفيما تم توظيفها، وهل تم فعلا إنجاز ما خصصت له أم أن الأمر ( دوور وولي ) .
ثم لابد لهم من دعوة الناس ، لمتابعة الأموال التي تبرعوا بها ، ومحاسبة من استلمها ، وممارسة سياسة الإفصاح والكشف دوريا عن مدى الاحتياج للتبرع ، وعما إذا كانت مؤسسات الدولة المسؤولة ، وصاحبة الاختصاص الأصيل في العمل ،تشارك بالمال أو بتوفير الاحتياجات اللازمة للعمل أم لا. فليس من المعقول أن تجبى أموال من المواطنين لإنارة شارع ، دون مشاركة فاعلة من شركة الكهرباء مثلا.
يلزم كذلك الإيضاح عما إذا كانت المنظمات الدولية قد خصصت أموالا لصالح المجموعات المحلية العاملة بمسمى التطوع أم لا. وضرورة تحديد المسؤولية القانونية (من المسؤول) عن الأضرار التي قد تنتج عن الأعمال التطوعية وتلحق أضرارا بالمواطن المتبرع لا قدر الله؟.