قراءات في المأثور الشعبي

قراءات في المأثور الشعبي

  • صالح حصن

صالح حصن رَبَطَته بقولها : اقعد نحطوك في عَشانا. فَكّ رِباطه بالرد قائلاً : ماني قدّيداً امْنَشّر ؛؛؛ اولا ني شحم ضان غاوي او لاني اسْمينة نوتِكِل عَ الشهاوي ان طِحِت في عشاك ؛؛؛ نبقى طَليب لَ,, يوم لآخرة. +++ سمعتُ هذا منذ زمن لكنني لم أدرك عُمق المعنى وأبعاد القول قبل أن تتراكم في عقلي و مخزون معرفتي بالحياة و العلاقات الاجتماعية الوطيدة المُرتبطة بالمصاهرة و ما بعد الزواج لتجعلني أرى البون الشاسع بين شرعية ارتباط الرجل بالمرأة ككائنين متفردين وبين ما يلحق ذلك الارتباط من إلزام للذات والتزام مُجتمعي و ما ينبغي أن يسبق الارتباط من تفيكر ومُقارنات على الرجل أن يتوخاها ليتفادى مُنزلقات الاشتهاء ويتمعّن في عواقب الأمر. الآن وقد بلغتُ ما بلغتُ رأيت كل هذا في هاته الكلمات القليلة من محاورة الشابة مع من أرادت اختباره ليتعارفا عسى أن يقدر الله ما فيه الخير. اقعد؛ هنا بمعنى تفضّل فهي دعوة للشاب بالمكوث بينهم زمناً ليتعرف على أهلها ويتعرفون عليه, ثم أنها واجبٌ اجتماعي على المقيم تجاه العابر, انحطوك في عشانا ؛ هنا بدأ “الربط” ويرتكز في أساسه وليس مُجمله على ازدواجية المعاني لدرجة تضادها بشكل يحتار معه المُستمع حيث تغلب سطحية الصيغة لدرجة الإسفاف على عمق تفسيرها وعلوه. عمق المعنى هنا هو أن نحسبك في وجبة العشاء عند إعداده للأهل و نوفي لهم بحكم إكرام الضيف. أما سطحيته هنا فتوحي بأن نرميك ضمن مكونات العشاء. وقبل أن أنتقل لفك الشاب لرباطه. ينبغي أن أشير إلى أن هذا الصنف من أدب الحوار لا يتم إلا بين بناتِ وصبية غير متزوجين وعادة ما يبدأ بأن تربط الفتاة الشاب وهدفها هو حث الشاب واختبار قدراته الفنية واللُّغوية والحوارية وفي ذلك كتب كثيرون و ربما آخر من قرأتُ لهم على الفيس عبد الرحمن جماعة لكنني هنا في خضم العوم في هذا التحاجج فقط دون أصول هذا الفن وأعرافه. رد الشاب كان وافياً تكوّن من أربع أركان كاملة البناء وكل ركن حمل ثقله تاماً : ثلاثتها الأول تفيد بأنه ليس سهلا الانزلاق ولا ينجر لما يبتغي منه إرضاءً لهواه ونزواته الآنية برغم أنه في عز شبابه و اضطرام شهواته مبيناً أوصاف من يتفقون معه في ذلك لكن أعمارهم واحتياجاتهم تدفع بهم لطوع من تختارهم أو تقبل بهم. 1- ماني قديداً امنشّر؛ أي لستُ قديداً منشوراً في الشمس حتى أوضع في عشاء؛ وهنا ينبه الشاب الفتاة بأنه في عمر الزواج كامل الهيئة والمكانة لم يفته قطار الزواج وأن مثله من تتمنى كل فتاة وأنه لا يبحث عن زوجة بدون أن تكون من اختياره و مناسبة من جميع النواحي – والكل يعرف أن القدّيد أقل قيمة من الطازج وقد فعل به الزمن ما فعل. 2- و يؤكد البيت الثاني هذا المفهوم بقوله : ولا ني شحم ضان غاوي؛ والشحم الغاوي هو الشحم الذي تم حِفظه بطريقة صناعية ورصه في أوانٍ لزمن غير قليل. أي أنه ليس ممن عفا عليهم الزمن ويبحث عمّن يرتبط بها ويرضى لمجرد لم الشمل والاستقرار المعيشي. 3 – كما أنه ليس ممن يرضى بمن تختاره لمجرد الاشتهاء و حاجتها له إما لعوزها أو لماله أو جاهه. أما الحَسم فقد جاء في الركن الرابع حين قال: ان طِحِت في عشاك ؛؛؛ نبقى طَليب لَ,, يوم لآخرة؛ وطِحِت تعني (وقعت) و في عشاكِ (في هواكِ) أما بجملة – طَليب لَ يوم لاخرة- فلخّص بها أن دوافع موقفه ليست نقصاً منها لكن وجوب التريث والاتزان ينبغي أن تكون هي الأوْلى بأن تتبع بمعنى ( إن قبلتُ ووقعتُ في غرامك سنتزوج وستظل لكِ عليَّ حقوق و واجبات الزوج و ربُ العائلة لن تنتهي حتى أفنى وبعدها أحاسب عليها في الآخرة. هو فن وأدب راقِ لا ينبغي أن يغيب ليحل محله “المحكي” و “الراب” و …. نعم الساحة تسع الجميع و كلها لها ذات المَصَب وهو الإصلاح المُجتمعي ولكن زوال واحد منها لا يمكن أن نحسبه مكسباً.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :