حلاَبـَـةُ الْـقَـمَـر)

حلاَبـَـةُ الْـقَـمَـر)

تَـأْلِـيف :: أَحْـمَـد إبْـرَاهِـيـم حَـسَن

( مقبرة بأطراف المدينة في ليلة مقمرة ..) ـ

تدخل سيدة أربعينية قوامها جميل تلف نفسها برداء ( جرد ـ فراشية ) ليبي .. في يدها حقيبة من قماش كبيرة ..السيدة / تمام .. الليلة مقمرة .. ومع ذلك أشعر بخوف شديد ..في حياتي لم أدخل هذه المقبرة رغم قربها من البيت .. ما أكثر قبورها .. تبدو جديدة .. وتكاد تصل إلى الطريق من كثرتها ..هذا منتصف الليل .. فلماذا لم تأتيا .. ألم نتفق ؟.. أنتما شجعتماني على هذا.. أغَـلَـبكما النوم؟.. أنا لا أنام . أم غلبكما خوفكما ؟ .. أنا أفعل هذا لأطرد خوفي من حياتي كلها . أريد أن أعرف ما إذا كان زوجي حيا .. أو ميتا .. رغم أني أحس به حيا يتألم .. يوجع قلبي ألمه .. أشد من وجع فراقه .. ( نباح كلب ) أنا خائفة .. خائفة جدا .. ولكني هنا الآن !.. لا أظن أنهما ستأتيان .. علي أن أبدأ ..( تخلع رداءها .. ثم تفتح الحقيبة القماشية وتخرج منها مرآة كبيرة وعددا من المرايا الأقل حجما .. وقصعة متوسطة الحجم .. تثبت المرايا باستثناء الأكبر حجما على عدد من القبور في شكل نصف دائرة .. ) السيدة / هذه المرايا ستحلب من القمر وجهك الجميل .. كما تحلب الناقة لحوارها أتوق إليك .. سأرتشفك رشف الحُوار لحليب أمه .. أحتاج لك .. أحتاج لك أكثر من أي وقت مضى .. بحثت عنك طويلا .. في كل المستشفيات .. في السجون .. في المعسكرات في مقرات المليشيات المعروفة وفي المقرات التي لم يصل اليها أحد .. كانت أشكالهم مرعبة .. ولكني حرصت أن لا يشموا خوفي وضعفي .. كانوا ينظرون إليّ بشَـرَهِ مقزز .. يراودونني عن نفسي بأساليب مبطنة .. ساذجة .. كلماتهم مائعة تحتمل معنيين وأكثر .. أخذوا عنوان البيت .. أخذوا صورا من أوراقي الرسمية .. رقم الهاتف .. ولكني لن أعطيَهم أكثر من هذا .. فما نفعك لو اشتريتك بشرفي ؟!.. وأي طعم للحياة بدون شرف ؟.. فقط اغفر لي الليلة أن أتعرى لهؤلاء الأموات .. لن يراني أحد .. سوى هذا القمر الذي سيعكس صورتك في هذه المرايا.. .. ( نباح كلب ) .. ترتعد فرائصي رعبا .. ولكن هنا أكثر أمانا من بنايات البشر .. الأموات لا يغتصبون .. والكلاب لا تقتل ولا تعض مالم تشم خوفي .. ولن أسمح لآدمي بأن ينهش جسدي .. فإنه لك .. لك وحدك .. علي أن أنتهي من هذا الآن .. سريعا .. سأطوف جريا ـ عارية ـ وحدي حول هذه القبور .. أحتاج لقبر شاب أعزب أضع عليه هذه القصعة .. ( تقرأ عددا من شواهد القبور ).. حسنا .. أضعها فوق هذا القبر .. قبر شاب صغير في السن .. اسمح لي يا أخي.. لهف أمك عليك ! .. كلهم ماتوا صغارا ..ولهف قلبي على الشباب الذين هم على قيد الحياة فما أراهم إلا أشباحا لمعركة الغد ..! وهذه مرآتي التي سأعكس بها ضوء القمر في هذه القصعة وهذه المرايا…. يصعب علي أن أتعرى لغيرك .. ولكن علي أن أتعرى الآن بالكامل.. سأهرول حول هذه القبور عارية إلا منك يا غائبي وفقيدي .. ( تستدرك ).. التعويذة ! .. ماذا كانت التعويذة ؟ لم تقولا لي التعويذة ابنة عمي تعرفها .. كان عليها أن تكون هنا معي لتقرأ التعويذة ..صديقتها التي كانت سترافقها هي أيضا فقدت أخوها ..المسكين فُـقِـد في الجبهة .. لم يعثروا على جثته .. أغلب الظن أنه قتل .. هي تشعر بذلك ولكنها مشتاقة لرؤية وجهه ولو للمرة الأخيرة ولو رفقة حلابات القمر!.. لقد ذهب للجبهة فمن الطبيعي أن يقتل ومن المتوقع أن يقتل.. أما أنت … فلماذا يقتلونك ؟ .. لماذا يختطفونك من طابور خبز ؟!.. هل لعنْت أحدا وأنت في الطابور؟.. هل قلت شيئا من كثير مما تعرف ؟ أين اختفيت ؟ أضجرت مني ومن هذه المعيشة التي لم تعد تطاق ؟ أهجرتني ؟.. تهجرني كما تهجر الأوطان ؟.. عصفوري الذي أهديتنيه فتحت له باب قفصه مرة ولم يهرب .. لم يهجر وطنه وإن كان سجنا .. لماذا لم تأخذني معك ؟.. لقد تزوجنا رغم أنف الجميع .. اشتريتك بأهلي وناسي .. حتى أنهم لم يواسوني فيك .. لم يرقق قلوبهم ألم الفقد .. لوعة الفراق .. الوحدة .. الوحشة .. أشباح المدينة التي تذل قلوب سكانها.. غرفتك مظلمة وباردة .. فقط عطرك المختلط برائحة السجائر على الأغطية والستائر.. في ملابسي .. وعلى الوسادة .. أفتقدك كثيرا .. عد .. أسرع الخطو .. غاب معك الأمان .. عد .. عد .. عجل خطاك.. عجل خطاك.. ترفل في سيوف رمال الحلم عائدا تشق عروق الأرض وتملأ ردهات الصحراء في الوطن الممتد بالوهج.. يتمدد خلفك الظل.. وتكبر أمامك شمس الوطن يتراقص السراب ويتلاعب بالمسافات .. تتمايل قامات النخيل وتنحني السعفات بالعبق من منا لا يؤثث قلبه وحلمه بك؟ من منا لا يغترف وينهل من اتساع روعتك ؟ يحمل تاريخك بين طيات تعاويذه وتحت وسادته وبين جمرات ذاكرته الملتهبة حد الوجع؟ مرر يديك فوق جبين الوطن تهجى الفرح في الشوارع انسف أكذوبة الربيع البائسه من منا لا ينتظر ؟ عجل خطاك.. على قارعة هزيمة الوطن لا توجد رائحة تحمل أوصاف الرجال مثلك..لا أثر أطيب ولا أنفاسا سخية تعيد صياغة الطقس وتعدل مناخا مثقلا بالأحزان عجل خطاك..عجل خطاك ( تبكي .. وسرعان ما تتمالك نفسها وهي تسمع نباح الكلب ) ( تبكي .. وسرعان ما تتمالك نفسها وهي تسمع نباح الكلب ) لن يمكنني وأنا وحيدة الآن عمل هذا الطقس .. فلن يظهر طيفك في المرايا بدون التعويذة اللعينة هذه .. ولن ينسكب القمر على جسدي مبرزا مفاتنه التي ستأتي بك من المجهول ..أأجربُ بدون تعويذة ؟ .. لابد أن أقول شيئا ما ..أكرر اسمك وأستحضر رسمك ؟ أتضرع بوحدتي وقلة حيلتي ! أجبني أنت يا قمر أجيبوني أنتم يا سكان المقبرة .. أنا مثلكم ميتة .. لا ينقصني سوى قبر بينكم سيكون أكثر أمنا من بيتي .ميتة و جسدك جسدي أيها العزيز الغائب .. (يتعالى النباح مع صوت اقتراب سيارة ) .. يا رب .. سترك يا الله .. من هؤلاء ؟ .. ( تلملم مراياها وتضع قصعتها في الحقيبة القماشية ) .. أيا كانوا .. فلن أنجو منهم إن وجدوني هنا .. زوار المقابر ليلا مريبون ..فأما إنهم جاءوا لإخفاء جثة بين المقابر .. أو أنهم قرروا نبش قبر عدو تغيظهم هجعته الأخيرة الآمنة ..إنهم يقتربون عليّ أن أهرب سريعا .سامحني حبيبي .. هذا الخوف يبقيني حية .. ( إظلام تدريجي ) . ـ 2 ـ ( صالة البيت .. بسيطة .. كل شيء مقلوب رأسا على عقب يفتح الباب بهدوء وحذر.. تمد السيدة رأسها أولا ثم تدخل بهدوء ) . السيدة / يا الله .. الباب مفتوح .. من فتحه ؟ من ؟. هل عدت حبيبي ؟ مَن هنا ؟ مَن في البيت ؟ مَن عبث بأشيائي ؟مَن دنس بيتي ؟ عم يبحثون ؟ ماذا سرقوا ؟.. ( تعيد المحتويات لوضعها الطبيعي ) .. أعرف .. وكنت متيقنة أنهم لن يتركوني في حالي .. إنهم يرهبونني .. فقط يهيئون روحي لاستقبالهم .. ( يرن جرس الهاتف .. تتردد في رفع السماعة.. ثم ترفعها ) .. نعم .. من المتصل ؟ .. من المتصل ؟.. تكلم .. رد يا حيوان ..رد يا شبيه الرجال ( تضع السماعة بعنف ) لقد عثروا لهم على ضحية جديدة .. وعرفوا كل شيء عنها .ما كان علي أن أذهب إليهم برجلي .. بعدما أعياني البحث عنك في كل المراكز والمستشفيات .. دلني أهل الخير لمعسكر يقال إن به سجنا لعل وعسى .. أدخلوني على الضابط .. ـ سيدي خرج زوجي قبل ثلاثة أشهر لشراء الخبز ولم يعد إلى الآن للبيت = خرج جائعا إذن .. كم كان يحمل معه من النقود؟ ـ دينارا واحدا يا سيدي .. = هل قصرت معه في حقوقه الزوجية هههه .. وما إلى ذلك؟ ـ ماذا تقصد يا سيدي بما إلى ذلك ؟ أنتم تعتقلون الناس فإن كان عندكم فقل لي! = إن كان مؤيدا لحكومتنا فلماذا نعتقله ..أما إن كان مؤيدا لإحدى الحكومتين الأخريين فإننا لا نعتقل أحدا .. خذي ـ ما هذا ؟ = أرقام هواتفي لربما وعسى .. ههههه .. . ( الكلاب تنبح بالخارج ) .. يا إلهي الكلاب لا تتوقف عن نباحها .في المقابر كما في الأحياء الآهلة بالسكان. وما الفرق ؟! ( تجري وتقفل الباب بإحكام ) .. يا الله .. كن معي يا الله .. يا الله = خُـشّي يا أمة الله .. ـ حياك الله يا أخي .. = إن شاء الله .. ـ نعم ؟ = أنعم الله عليك .. ما شاء الله .. ما شاء الله .. ـ اختفى زوجي يا سيدي و … = من حقك الطلاق شرعا.. ويعوضك الله خيرا منه .. سجل بياناتها يا بوفا جزاك الله خيرا .. لم أكن خائفة أول الأمر .. قلت هؤلاء يعرفون الله .. ينشبون معاركهم باسم الله ..يخطفون باسم الله . يغتالون باسم الله وهاهم يريدون أخذي منك باسم الله . أهي فوضى؟ .. ( تتجه للهاتف ) .. أنا بنت ناس .. دمهم ساخن .. وأنا الآن أستغيث بهم .. فلا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم ..( تدير قرص الهاتف ).. أين أنتم يا إخوتي .. أبي أنا في أمس الحاجة إليك .. ( نسمع طنين الهاتف لفترة طويلة مشغول ).. لا تتركوني فريسة لهم .. أرجوكم .مشغول .. مشغول .. مشغول … ما يشغلكم عن ابنتكم الوحيدة ..؟ عدلُ من هذا؟ خافوا على شرفكم إن كنتم لا تخافون عليّ !.. .. ( فترة صمت ) .. ومن غير أبناء عمي .. نعم أتصل بابنة عمي لتعلمهم بورطتي .. صحيح لم تأتِ إلى المقبرة كما اتفقنا .. ولكني ألتمس لها العذر وخروجها من بيت أهلها في مثل هذا الوقت وإلى المقبرة بأطراف المدينة ليس بالأمر الهيّن .. ( تدير قرص الهاتف )..سأطلب منها أن تخبر عمي وأولاد عمي بما أنا فيه وتستأذنهم بالمبيت معي .. فأنا خائفة .. خائفة.. ( نسمع رنين الهاتف دون أن يرد أحد ).. لا ترد .. لا أحد يرد .. ربما نامت .. أو ربما محرجة لعدم تمكنها من اللحاق بي إلى المقبرة .. فليرد علي أحدكم أرجوكم .. رد علي أرجوك ..لا صديقة لي سواكِ .. أنتِ شجعتني على الهرب معه .. كانت فكرتك ..( بضعف ) .. وفكرتي أيضا أمام ما عانيت من الكدر والهم والغم والاستغلال من إخوتي وزوجاتهم .. كنت كالمكنسة .. كالخرقة البالية .. كصابونة يظلون يدعكون بها وسخ أيديهم حتى تذوب .. خادمة .. أطهو وأغسل وأمسح .. مُهانة من الجميع منذ أن ماتت أمي وأنا أدفع ثمنا باهضا لبقائي معهم.

وكنت أنتظرك حبيبي بفارغ الصبر .. السنون تجري .. والشيب يغزو شعري ..لم أسمع برجل يتقدم بطلب يد فتاة سبع مرات وفي كل مرة كانوا يرفضونك بإصرار أكبر من اصرارك .. أتدري لماذا ؟ لأنهم تيقنوا أنك تحبني وأني أحبك .. وفي بلادنا الحب ممنوع .. ويقصر الرقبة ويسود الوجه .. فعشت بينهم مثارا للسخرية ..حتى طاردتني هذه الفكرة وسيطرت علي ..  آآآآآآآآه .. كل شيء يتفكك الوطن .. البيت .. العائلة  .. لكل منا منولوجه الدفين .مونودراماه النازفة .. فقد فقدنا شيئا ما .. لست أدري فقدناه أم أخذ منا عنوة ؟!. صار استخدامنا سهلا .. صار انقيادنا أسهل .. الدم في كل مكان ..على الحيطان .. على الطرقات .. على الكراسي .. وعلى السرائر ..أصبح القتل مباحا ومتاحا .. ضغطة اصبع على الزناد وينتهي الأمر.. بأبخس ثمن .. تقتل الروح بألف دينار .. وتفتدى بالملايين ..إذا فتحت التلفاز فانك لا ترى غير وجوه قاتليك .. وستجد سجادة غرفتك بعد قليل وقد امتلأت دما .. مما تقاطر من قنواتهم . ويا الله يا الله.. كم حرة هتكوا خميلة سترها.. كم من كاتب .. كم من طالب. كم من آمل بالحياة .. كم من مسعف .. كم من طبيب مداو .. كم من شيخ كم من طفل .. قتلى لا حصر لهم .. مفقودين لا حصر لهم .. جياع لا حصر لهم .. مهجرون لا حصر لهم .. نازحون لا حصر لهم.. معوقون لا حصر لهم .. أرامل لا حصر لهم .. ثكالى لا حصر لهم .. أيتام لا حصر لهم .. جياع لا حصر لهم .. عالم خرب .. خرب ..

ما هذا الزمان الذي نعيشه ؟.. لماذا يحدث لنا كل هذا؟ .. لماذا نحن هكذا ؟

سلعة تباع وتشترى .. ضاعت قدراتنا ومقدراتنا .. وأدوا أحلامنا وآمالنا..

كنا نتوق للحرية والعيش الكريم .. فاذا بنا في هوة سحيقة لا خلاص منها

من العبودية والذل والمهانة والانكسار والوهن ..

اقرأ هذيان روحي

أمام وجوم نوافذ الوطن ..

وصمت أبوابه.

تهجى جنوني

في شوارع اليتم والفقد والتهجير ..

أبحث في أوراقي

عن آية الاخلاص والنور..

آوني من فتك الهواجس

والطرقات العنيفة لنبضات القلب

وهدير العروق النافرة

وأشلاء الاحبة..

قل لي : ما الذي يهدئ النفس ؟

لاتدع بصرك يضعف في الغربة

ولا تسمح لقلبك بالعشق

بعيدا عن الوطن ..

لاتدع جدران روحك تتآكل هناك

احتفظ بكل شيء كما كان ..

شوارع بنغازي..

دفء ليالي العاصمة ..

رائحة ترفاس الجنوب ..

حتى سراب الصحراء دعه يتلألأ

تحت هامات النخيل

في قلب الذاكرة ..

ودع البصر يغتسل بلمعانه في الغياب

ففيه شفاء واحتفال وسلوى..

دع قلبك يصر على قراءتي

كأورادك كل مساء ..

وانتصب أمام أبواب قريتك كل ليله

انتصب سرابا أو وهما..

أو ماردا من الجن..

لا يهم ..

مادامت حنجرتي مليئة بالأشواك والخناجر

ومادام الصوت عاجزا عن الحضور .

.. ( الكلاب تنبح .. فتصمت خوفا لفترة ) ..

ألا صبح لهذه الليلة ؟ ..أما من عودة يا غائبي قبل فوات الأوان ؟

ألا زالت رجلك العرجاء تؤلمك ..؟ .. انها توترك .. لأنهم سرحوك من الخدمة العسكرية قبل زواجنا بسببها .اذا عدت متأخرا فستجد في انتظارك اعاقة أكبر .. وقتها ستلعن كل شيء و ستكره كل شيء .. كل شيء ! يا الله .. هل أهرب ؟ الى أين وكلاب الليل متربصة على كل طريق؟

.. ( تتجه الى الهاتف مجددا ) . أحاول مرة أخرى ..

( ترفع السماعة .. تفاجأ .. تقوم بضرب الهاتف بيدها )الخط مفصول .. لقد قطعوا سلك الهاتف .. هذا يعني أنهم هنا !

(تجري وتؤمن الباب بمنضدة كبيرة عليها بعض الأغراض اضافة لقفص العصفور الذي لم تسمع له صوتا ..) . لن تقع في أيدي البشر .. سأطلق سراحك هذه المرة رغم أنفك يا صديقي .. ولكني أوصيك بعدم التحليق عاليا .. فرصاص الغدر أعمى .. يتطاير كل وقت .. وفي كل مكان .. فضائي لم يعد آمنا .. وفضاؤك أيضا .. ولكن أن تخرج لقدرك أفضل من البقاء هنا كشاهد عيان على ما سيحدث لي ..ما هذا السكون الذي يخيم عليك .. لماذا تفترش أرضية القفص هكذا؟ ..

.. ( تفتح باب القفص وتمد له يدها ) ..

جسدك بارد .. (بصدمة ) .. يالهي .. يا الهي ..!!

.. ( تخرج العصفور ميتا ) ..

( تسمع بالخارج وقع أقدام وجلبة.. ترتعد وتكتم صرختها .. تجري للمطبخ  فنسمع قرقعة الأواني .. تدخل وهي تبحث في المكان ) لم يتركوا سكينا ولا مقصا ..

( بضعف ) .. أنا .. أنا .. لا أقوى على فعل شيء .لست شجاعة الى الحد الذي يمكنني فيه التخلص من حياتي  كثيرات فعلنها .. أما أنا فضعيفة وجبانة .. جبانة .. لا أستطيع فعلها .. ولا قدرة لي على المقاومة .

.. ( نسمع نباح الكلاب يقترب ) ..

( تصرخ ) .. اليكم عني .. لماذا تضيقون علي ..؟ أنكم تخنقونني ..

تقتلونني! .. ماذا تريدون ..؟ .. لقد أفسدتم حياتي بأسرها وماذا بعد ؟ .. أي نصر تحققونه بترهيبي واذلالي وتدنيسي ؟ .. ابتعدوا عن بيتي ..  ابتعدوا .. اتركوني في حالي أستحلفكم بالله

..( يعلو النباح في الخارج وتتزايد الحركة ) ..

أستحلفكم بالله ألا تفعلوا .. ابتعدي عني أيتها الكلاب المسعورة اتركوني بالله عليكم ..

( ينقطع التيار الكهربائي .. يظلم المكان .. ونسمع صرير المنضدة على الأرض

ونسمع صوت الباب وهو يفتح عنوة .. لهاث كلب قريب جدا وعال .. لا نرى

سوى وجهها في بؤرة ضوء صغيرة متحركة بينما تحاول الافلات والمقاومة )

حرام عليكم .. لا .. لا .. بالله عليكم .. بالله عليكم .لا .. أبعد يدك .. لا أتركني بالله عليك .. اتركوني . حرام .. دعني .. اتركوني .حرام عليكم .. لا .. لا .. يا ناس ..يا عالم ..

.. (تصرخ بالدارجة  ) ..

حرام عليكم .. أنتم ما عندكمش ولايا ؟  ( اظلام تام )

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :