بعد العيد!

بعد العيد!

تَنّوَه  ” ما يشبه ترسب التجارب والمعرفة ”

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

بعد العيد!

محاولة لفهم ظاهرة وقف الحال في رمضان

يقول خليفة الفاخري: يستغرق نقاش الأشياء التافهة وقتا طويلا، لأننا نعرف عنها أكثر مما نعرف عن الأشياء المهمة. 

مبدئيا يعرف أغلبنا ماهية الصوم وشروطه وإن طال اللغط أهدافه فيما يؤمّن الكثير على أنه أحد الفرائض وركن من أركان الإسلام بالتالي لا يجب أن نبحث له عن غرض. 

ولكن مالا يعرفه أغلبنا كيف ولماذا لا يتغير نظام الحياة رسميا في رمضان، وذلك ليتلائم و الفريضة لأداءٍ أكثر فعالية وانتاجية وبالتأكيد الاقتراب من حالة التأمل والسلام الروحانية والتي هى غاية العبادات في تصوري.

تيّارات عكسية

صوموا تصحّوا! من يعتقد أن هذه العبارة شبه المقدسة هى مجرد لغو، وليس أدل على ذلك من حجم 

الملاحظات والتنبيهات والاقتراحات لصوم آمن ، ففي مقابل الكم الهائل من برامج الطعام يحضر وبالتوازي كم هائل من نصائح الأطباء والصيادلة، مع هذا لا يتوقف الناس عن ترديد عبارة صوموا تصحّوا وكأنها حرز ضد من يحاول السؤال والفهم والاستفسار عن طقس شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وذلك للتغطية على الاجابات الهزيلة والكلام الفارغ من أن رمضان هو ورشة عمل تعاطف مع الفقراء واختبار ماهية الجوع عند رقاق الحال.

ماهية الجوع؟ 

تسمّي حنّاي وباقي الليبيين من جيلها تسمّي الجوع شرّ، وبذلك يضمّن الليبيون فقط في اللغوة تصوراتهم عمّا يعني في ماهيته ومايجلبه الجوع حين تجلّيه ، أما التاريخ يخبرنا عما فعله الجائع من ثورة الخبز في فرنسا 1789، ثورة الجوع في الصين 1959-1961، وثورة الخبز مصر 1977، وفي الهند 1943 و في السودان 1984-1985 وأغلب ثورات الربيع العربي حتى وإن لم تتجلى في صورة مباشرة كما في مصر بشعارها (عيش ،حرية،عدالة اجتماعية). لأن الجوع يعتبر جزءًا من نظام التحكم في الطاقة والتغذية في الجسم ، فالجوع ، (هو حالة فسيولوجية تنشأ نتيجة تفاعلات معقدة في الجسم. عندما يقل مستوى السكر في الدم، يتم إطلاق هرمون الجلوكاغون وهرمون الأنسولين ويبدأ الجسم في تحرير الجليكوجين من الكبد لرفع مستوى السكر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، يتم إطلاق هرمون الغريلين من المعدة، والذي يعتبر هرمون الجوع الذي يشير إلى الدماغ بأنه بحاجة إلى الطعام. يتفاعل هذا النظام الهرموني المعقد والمتشعب مع الأجزاء المختلفة من الدماغ للتحكم في شعور الجوع والشبع ،هذه العمليات البيولوجية المعقدة تفسيراً علمياً لظاهرة الجوع)*. وكما هو الحال لايمكن لأي منّا التحكم في هذا النظام، إلا إن كانت ساعات محدودة بما كانت حنّاي تسميه عزم. 

ولكن هل الصوم يقصد الجوع؟ أو التفكير في الجوعى كما هو شائع بكل استخفاف واستهانة بروح الدين، أم هو ترويض لهذه العمليات البيولوجية وضبط هرمون الأنسولين وضبط السكر وإيقاف معركة لمصارين وأصواتها؟ في الحقيقة وكما أرى إنها معركة أخرى من نوع آخر سأسميه: رمضان صيام الواقع.

الطّعام = القمح بالليبي

الهدف الرئيسي من الطَعَام هو حصول الخلايا على الطاقة اللازمة لها، يحول الجهاز الهضمي الطعام إلى الجلوكوز الذي يلتقي بدوره مع الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس والذي يساعد الجلوكوز على الوصول إلى الخلايا للحصول على حاجتها اللازمة لأداء الوظائف المختلفة، يخزن الفائض من الجلوكوز في الكبد لحين الحاجة، وبعد مرور حوالي 4 ساعات يبدأ مستوى الجلوكوز في الدم بالانخفاض مسبباً شعوراً بالضعف والهبوط  يدفعنا نحو الطعام من جديد، في المراحل الأولى من الإحساس بالجوع أو العطش تزيد الحركة والنشاط سواء عند الإنسان أو عند الحيوانات لدفعه لإيجاد الطعام ولكن بعد فترة يبدأ الجم بالهبوط وتبدأ علامات التعب والإعياء بالظهور.*2 مناسبة هذه المعلومات عن الطعام بالفصحى ومعناها الأكل وعن الطّعَام ويقصد بها القمح في اللغوة إنما مدخل لأنواع الطعام وأثرها على كل التغييرات التي طرأت ليس فقط على عادات الإفطار الرمضاني بل تداعيات ساعات الصوم على أجساد الناس وأمزجتهم، لم تعد خافية،  فالطّعام أو القمح الذي كان أساس الكثير من الغذاء عند الليبيين بات اليوم من الأغذية العضوية والصحية بتكلفة أعلى بعدما شهد عالم الطعام والغذاء نستولوجياه واعطته اسم العضوي أو Bio وبات كل طعام غير محسن أو ينمو في موسمه خارج بيوت الزجاج هو الطعام الصحي والأعلى سعرا، فالفواكه والخضروات الورقية والحبوب الكاملة والمكسرات والأسماك واللحوم البيضاء وكل مافي هذه الأطعمة من ألياف وبروتينات وفيتامينات ومعادن هي جزء من نظام صحي تمتع ببعضه حتى الفقراء قبل أن يصير أغلب الغذاء المتاح للغالبية يسد الجوع ولا يغذي الجسد ، وبعضه ضار بسبب من ظروف إنتاجه ، لأن الأطعمة التي تزيد من الشعور بالشبع عادةً تحتوي على نسب عالية من الألياف والبروتين وبالتأكيد الأعلى كلفة.

افهموا تصحّوا يتبقى هنا ماصار صورة من صور الحياة العصرية ، السكر الكثير من السكر ، والكثير من القهوة ، والشاهي والدخان ، ولأنه من غير المفيد محاربة طواحين الهواء، لن أتحدث هنا عن حملة وطنية شعارها شعب معافى تستثمر فيها الحكومة في صحة الناس ، بل اقترح على سبيل التخفيف  مِن حمل الوطنية ومخاطبة العقلية المادية ال – نيوليبرالية- التي تطحن وقت وجهد الناس لتزداد رفاهيتها بأن تستعنى بالبنية التحتية للاتصالات والمواصلات لأنه السبيل الوحيد الذي سيجعل شهر رمضان منتج وسهل ويقل فيه الاحتكاك بين الصائمين أثناء النهار كما فعلت هولندا في أيام كوفيد ،على الأغلبية العمل من المنزل ،ليتحول شهر رمضان في البلاد إلى شهر خاص فعلا ،مثل فترة الإجازات وبرغم أن الصوم هو التدريب على التحكم في أهواء النفس وكسر الاعتياد، إلا أنه يزداد صعوبة بسبب عادات الأكل و نوع الغذاء ،الصوم الآن ليس له علاقة بالصوم القديم، وعوضا عن مكابدة الناس في الصيام لابد من وضع نظام حياة جديد لتكون هذه الشعيرة الدينية معززة لأسباب فرضها ولاتتحول إلى عبء ومشاكل صحية ونفسية فالغضب لم يعد يطفئه الرشد والحِلم بل الكربوهيدرات والسكر .

نصاب بالصداع لنقص الكافيين، والنيكوتين، والأملاح، والنوم. 

انخفاض الإنتاجية والحاجة للنوم والشعور بانخفاض الطاقة بسبب نقص المعادن ،حديد و مغنيسيوم وحمض الفوليك وفيتامينات دال وب 12، ولتجنب توقف المعاملات بتوقيع (بعد العيد) ، على الأصنام أن تفكر في الواقع الجديد وإدارته بالتحضير الجيد لشهر راحة بال وتفكّر وعبادة ، كما يحضّر له أهل الفن البرامج والمسلسلات .لماذا لا؟

_______ * استشر طبيب أونلاين 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :