الجرة الخضراء

الجرة الخضراء

قيس عمران اخليف

الحاجة سليمة تخرج يوميا من بيتها المقابل لمنطقة السوق البلدي تسير حاملة قفتها المصنوعة من سعف النخيل مرتدية ذلك الزي الذي تتميز به نساء ليبيا وتونس و الجزائر المسمى بالرداء أو الجرد عند البعض الآخر..يلفها من رأسها حتى أسفل القدمين فلا يظهر منها إلا عين واحدة عبر فتحة صنعتها بحكة احترافية بذلك الرداء , ويرتفع قليلا عند أسفل الرجلين فوق الكاحل معلنا عن مجموعة مشكلة من السراويل المختلفة الألوان الحريرية الملمس تظهر في طبقات عبر اختلاف مناسيبها فوق القدم تنتهي بحذاء جلدي قديم تتفاخر بأنه من العهد الإيطالي ولم يبلى تخطو به خطوات هادئة جريئة وفخورة تصيح عبر ذاك الرداء أن الأصالة و الفخامة قدمت إليكم .

تجتاز الشارع الفرعي الصغير وتسير بمحاذاة مجموعة الدكاكين التي تزاحمها طاولات خشبية وضعها باعة السوق من بضاعة استهلاكية رخيصة تجذب الناس البسيطة كالحاجة سليمة لتسد احتياجاتها اليومية

كانت الحاجة سليمة تسير دائما مقتربة من محل التحف تنظر باهتمام إلى جرة خضراء منقوشة بطريقة عجيبة مرسوم عليه طيور مختلفة يبرز بينها طاووسان جميلان وتلتف على أطراف الجرة حروف عربية مكتوبة بخط الثلث الجميل تتشكل بألوان زاهية .

الحاجة سليمة  تسير باتجاه المحل و قد قررت أخيرا أن تشتري تلك الجرة الرائعة بعد أن رهنت خاتمها الذهبي الذي اشترته من جارتها اليهودية قبل أن  تهاجر تاركة البلاد .

اقتربت الحاجة سليمة من تاجر التحف ؛ الحاج مسعود وهو شيخ ف الستين من عمره يرتدي قلنسوة قطنية زرقاء و يعتمر معطفا بنيا ترك به علامة الماركة الانجليزية على ذراعه ليعلم الجميع أن ملابسه من ماركات أجنبية , و تتدلى للأسفل مخفية تقوس أعلى فخذيه وتذكر المارة برجله الصناعية التي ركبها من لوح خاص ركبه له الطبيب الانجليزي و أكثر ما أزعجه وقتها توقيع الطبيب الانجليزي على الرجل الخشبية إلا أنه فيما بعد صار يفتخر بها لأنها من عمل طبيب انجليزي و كان يري الجميع التوقيع كنوع من التفاخر و التميز و الإثبات بجودة اللوح و فخامته.

نظرت الحاجة سليمة للجرة وقالت : السلام عليكم .. جئت لشراء الجرة ومعي السعر الذي طلبته.

نظر الحاج مسعود إليها قائلا : للأسف فقد حجزت اليوم للتاجر رمضان ,تاجر الملح الذي بدلها بشوالي ملح .

انزعجت الحاجة سليمة كثيرا و هي ترى الجرة التي حلمت بها و قد ذهبت أدراج الرياح .

وعلى حين غرة تتسلل كرة طائرة بينهما وتصيب قلب الجرة , فكسرتها , أحست أنها أصابت قلبها فكسرته من الداخل , وانحدرت دمعة من عينها على الرغم أن الجرة لن تكون لها  في الحالتين إلا أنها كانت تحب الفن المختلط بها وتشعر بها وبألوانها و حروفها وطيورها . فرجعت منكسرة الخاطر لا تعرف أن تغضب من التاجر أم من الطفل أم من الكرة .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :