الحاج والحويج والعمر الثالث !!

الحاج والحويج والعمر الثالث !!

  • المهدي يوسف كاجيجي

فى ليبيا عندما ينادونك بالحاج، انتبه، لقد ادركتك الشيخوخة . فى اسبانيا يطلقون عليها من باب المجاملة “العمر الثالث”، وفى بلاد الانجليز المواطن السيد، فى مجتًمعاتنا النامية – المتخلفة – يتعاملون معك ككم مهمل انتهى تاريخ صلاحيته ” رجله فى الركاب ” . فى المجتمعات المتحضرة حدد سن التقاعد بالخامسة والستين،وهي بداية التكريم للموظف، تشمل مرتبا تقاعديا خاضعا للزيادة سنويا، بما يتناسب مع غلاء المعيشة، وفي بعض الدول يتم دفع مرتب شهرين اضافيين بمناسبة اعياد الميلاد.إضافة إلى تخفيضات، ومقاعد مخصصة لهم فى المواصلات العامة والمنتزهات والمتاحف ،يصل الى درجة المجانية، اضافة الى التامين الصحي والعلاج الشامل، وصرف الدواء بالمجان والزيارة الطبية فى البيت، وتوصيل وجبات غذائية لغير القادرين على الحركة، واينما حلوا يصاحبهم التقدير والاحترام والمساعدة .

فى طرابلس انزلقت قدمي فسقطت ارضا، فأنطلقت التعليقات الضاحكة : ساعد روحك يا حاج . حصاد التجربة مختلف بيننا وبينهم، شيخوختنا اجترار للماضي، وسرد حكايات ساذجة مقصرة للأعمار عن المرض ، وسؤال ساذج للنفس متداول ” معقول نعيش ايامنا ..وايام غيرنا ؟ “.عندهم الشيخوخة بداية لتجربة جديدة، لها جمالها ورونقها والمواصلة للعطاء، وعندنا بداية لحصاد مر،إلا من رحم ربي.

كبار الموظفين.. المتسولين !!
قال صاحبي المتقاعد: خرف ياحاج، انا لا احلم بأية امتيازات مما ذكرتها، بالرغم انها من حقي، ولكن الحمد لله، ليست لدينا مواصلات عامة، ومنتزهاتنا تم تقسيمها لقطع اراضي للبناء، خصصت للمحظوظين. والمتاحف سرقت وتحولت الى خرائب. فقط أنا أطالب بحقى كمتقاعد، بحياة كريمة، مقابل ما قدمته من عمل، وما دفعته من اقساط ، اقتطعت من جهدى وعرقي ومرتبي، لتساعدني فى شيخوختي ، وتكفيني عن الحاجة ومد اليد بالسؤال.مرتبي التقاعدى هو 450 دينار وهو الحد الأدني لما يدفع شهريا للسواد الاعظم، وفئات اخري تتلقى مساعدات اجتماعية من الدولة. وهو مبلغ حدد بعد التسوية الغير عادلة التى تمت عام 2011 وتساوي فيها العالم والامي ،وللحقيقة وقتئذ كان المبلغ يكفي لحياة كريمة، وخاصة أن بيتى ملكي، والاولاد كبروا وتزوجوا وأعتمدوا علي انفسهم. اكرمنى الله انا وزوجتي باداء فريضة الحج بل وبعمره،ادوية امراض الشيخوخة المعتادة من سكر وضغط وروماتزم وغيره كانت متوفرة ومعظمها بالمجان ،وما كان ينقص وهو نادر نشتريه من الصيدليات، باسعار معقولة. الان تغيرت الظروف، غابت الدولة، وانخفضت القيمة الشرائية للدينار، وفقد تسعين بالمائة من قيمته. مما ادي إلى ارتفاع الاسعار بجنون،حاولنا التأقلم مع الظروف، بأعتبار انها ” ايام وتعدى ” تحولنا الى النباتية، وتوقفنا عن اكل اللحوم بحجة ” الكنوسترول ” .تغاضينا عن عادات كثيرة، منها دعوة الاهل والاصدقاء، واقتصرت على الاولاد والاحفاد.استنزفت مدخراتنا.حتي تذكاراتنا الذهبية والفضية التي ورثناها، وجمعناها فى رحلة العمرحرمنا اولادنا من ميراثها وبعناها بأبخس الأثمان الم يقل الشاعر: ذهب المضطر نحاس. توكأنا على ايامنا، ووقفنا الساعات الطويلة فى طوابير المصارف المفلسة، وتم ابتزازنا وسرقتنا علنا، فى عمليات نصب وربا،من اجل الحصول على ما يمكن الوصول اليه من ارصدتنا المجمدة. المضحك المبكي فى طابور المصارف، تذوب الفوارق، تقابلت مع ساعي مكتبي، سألني بأدب واستغراب في عينيه، معقول أستاذ تقف في الطابور ؟ اجبته مازحا: وما الغرابة، الم اكن من كبار المسؤلين،وانا فى طريقى لأكون من كبار المتسولين.

حياةالذبانة ولا الجبانة !
يا حاج.. يا خوي، الزنقة وقفت للهارب، والعمر تسرب من بين ايدينا،”والطريق طويل والزاد قليل”، كما قال سيدنا علي كرم الله وجه. المرتب التقاعدى لم يعد يكفى لشراء علبة دواء، وقائمة المطالب فى ازدياد، اختفت الموارد وارتفعت المطالب، والنفق يزداد طولا وظلمة. انظر حولك، تصارع وتشرذم، وشعب خانع مستكين للذل، تنازل عن حقه وكرامته، وفقد آدميته.

فى مقبرة سيدى منيدر اجتمعنا لتشييع قريب، وكالعادة كان الحوار عن الموت وحكمته.رويت لهم دعاء أمى رحمها الله: ( اللهم من القدرة الي السترة) سالني احدهم: ماذا تعني بالسترة ؟ اجبته: الموت، الحفرة، القبر. فطرح رآيا مخالفا انحازت له الاكثرية: ( حياة الذبانة ولا الرقاد في الجبانة ).والله يا خوي الحاج, لو كانت تتحقق امنية الشاعر ابوالعتاهية المستحيلة, ويعود الشباب يوما ! ويرجع بي العمر قليلا ! لكنت اول من ينفذ مقولة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري التي تقول: عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج علي الناس شاهراً سيفه.

* يعاد النشر، بمناسبة قرب أنعقاد مؤتمر المتقاعدين ،الذى نآمل له التوفيق والنجاح.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :