الحرب العبثية في شريد المنازل (الكاتب اللبناني : جبور الدويهي )

الحرب العبثية في شريد المنازل (الكاتب اللبناني : جبور الدويهي )

قراءة :: ليلى المغربي

تتناول الرواية تأثير الحرب على البشر والحجر وتدمير كل ما يأتي في طريقها ، عن تفتت النسيج الاجتماعي المعروف بتعايشه السلمي بين عدة أديان وطوائف في لبنان إبان الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات .

نظام بطل الرواية يتحول من طفل جميل يعيش بهدوء ومحبة إلى ضحية تعبث به الأقدار وتفرقه عن عائلته التي واجهت المصاعب المادية والاجتماعية والسياسية وتنسى او تتناسى رعاية هذا الطفل وتتركه لعائلة مسيحية هما زوجين توما ورخيمة والذين لم ينجبا فوجدا نظام الطفل هبة من الخالق منحوه الحب والرعاية بطريقتهم الخاصة ولكنهم أهملوا جانباً تربويا مهما وهو الاشراف المباشر على مستقبل شاب صغير ضاع منهم في حواري بيروت وشوارعها وصخبها وحربها ، ربما لأنهم خافوا ان يكونوا صارمين معه فيتركهم ، لكن المؤكد أنهم احبوه .

بين والدين بيولوجيين انشغلا بمشاكلهما من خيانه وتهريب ومحاكم وسوء الاحوال المادية وبين والدين احباه وربياه وقدما كل مايستطيعان له من حب واهتمام ومال ، و شقيقته ميسلون التي اعتادت رعايته وتعرفه اكثر من نفسه وتدرك رغباته دون ان يتفوه بها ، وغضبت منه حين قرر البقاء لدى العائلة الاخرى ولكنها فيما بعد استسلمت ، عاشت حياة قلقة رفقة عائلتها التي هربت الى حمص ثم هربت منهم الى عماتها في لبنان كي لا تتزوج من رجل لا تحبه .. لتتزوج فيما بعد وتسكن بيروت ، وشقيقين توأمين خالد وبلال كانا أحد أسباب انشغال الأم صباح عن ابنها نظام من حورا ينتقل نظام الى احضان بيروت وسكانها يواجه الحياة منفردا ويتعرف بالعديد من الشباب والبنات ويدخل في علاقات حميمة الى ان يلتقي بفتاة احبها ( جنان سالم ) فنانة تشكيلية لكنها تعاني الوحدة والاكتئاب ومحاولات عدة للانتحار .. تتشعب حياة هذا الشاب فيهمل دراسته الجامعية والتي لم تكن سوى حجة للابتعاد عن دائرة الاهتمام الشديد ورغبة في البحث عن هوية واستقلالية ، الهوية التي كانت تخلو فيها خانة الديانة فيما يعلق في رقبته سلسلة ذهبية فيها أية الكرسي أهدتها له عمته خوفا من تنصره ، وسلسلة أخرى لرمز مسيحي ألبسته اياها رخيمة أمه الثانية حين تنصر ، هذه السلسة تمكنت من انقاذه حين علق في حاجز لمسلحين مسيحيين فيما لم تنقذه أية الكرسي التي كان يرتديها من الموت على أيدي مليشية مسلمة ، بينما هويته المزورة كانت تحمل اسما مسيحيا بعد ضياع الهوية الاصلية الخالية من الديانة

خلال سنواته القليلة في بيروت تعرف نظام بعدة أشخاص من طبقة الفقير والبسيط والعاهرة وصولا إلى شلة الشباب ذوي التوجه اليساري الذين اختفوا تدريجيا من حياته كما تركته أولغا الروسية صاحبة الشقة التي استأجرها منها فترة غيابها .

تميزت الرواية بسرد جميل ومفردات وجمل بسيطة وسلسة لم يحتج فيها الكاتب لتعقيدات اضافية ولا جمل فلسفية فالنص الروائي كان مكثفاً بأحداث متلاحقة غاب عنها الإسهاب والإطناب في حوالي ثلاثمائة وخمسين صفحة تشير بوضوح لعبثية الحياة كما في مشهد دخوله الأول لبيروت وبنطاله غارقاً بالدماء حتى الركب والتي نالت من شباب نظام  ذو الثلاثة وعشرون ربيعاً في مشهد دفنه المجهول والذي تعمد الكاتب ان يتركه مجهولا فلم يُعرف أين دفن نظام هل في جبانة المسلمين أم في بستان توما ورخيمة ؟!. نظام كان دوماً الشاب المسالم الكريم العطوف والمرح تقبل الجميع كما هم ولم يأبه لاختلافهم الاجتماعي والديني والثقافي عنه  بل ترك أثراً جميلاً في كل من عرفه واقترب منه .

ونحن نعيش حرب أهلية منذ خمس سنوات أجد من المفيد لنا الإطلاع على أعمال روائية تنقل تجارب دول عاشت ذات التجربة لربما نستفيد منها ونصحو إلى أضرارها وننقذ ما يمكن انقاذه .

لأن الحرب عبثية دائماً فقد كانت عنواناً واضحاً لنهاية موجعة تترك في الحلق غصة وبضع دموع لا تستطيع منعها رغم علمك أنها رواية ولكنها واقع نعيشه في بلداننا اليوم .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :