الدراما الليبية بين أزمة النص والأداء وجودة التصوير والإخراج

الدراما الليبية بين أزمة النص والأداء وجودة التصوير والإخراج

الأعمال الفنية الرمضانية في ليبيا بين الإبداع والنقد

تقرير : بية فتحي خويطر

 تشهد صناعة الفن في ليبيا تحديات كبيرة في المنافسة مع الأعمال الفنية العربية، رغم توافر كل السبل الإنتاجية وزخم العمل الفني في كل رمضان ، يظل البعد عن الوصول بشكل كبير إلى الجمهور العربي وتحقيق منافسة قوية على المستوى الإقليمي قائماً ، إلا أنها أي الاعمال الدرامية الليبية نجحت في جذب انتباه الجمهور الداخلي وحققت بعض النجاحات المحلية ، لكنها على كل حال لم تسلم من النقد والتحليلات اللاذعة التي يقدمها المتابعون شأنها شأن أي عمل فني.

ويعد الجمهور الليبي واحدًا من الجماهير الأكثر تفصيلًا وتحليلًا لأي عمل فني تملؤه الأخطاء ، وهذا الواقع يضع تحديًا إضافيًا أمام الفنانين وصناع العمل ، ويجب عليهم التعامل مع هذا النقد بشكل بنّاء والاستفادة منه في تطوير أعمالهم.

يقول الإعلامي سالم الحريك إن الأعمال الليبية الرائعة بشكل عام عادة هي الأعمال الكوميدية، وهي المساحة الأبرز التي يستطيع من خلالها الكاتب، والمخرج، والمنتج إيصال مضمون رسالته بأفضل صورة ممكنة تجمع بين بساطة العرض وقوة الرسالة، وكالعادة لازال شط الحرية يتربع على قمة الأعمال الليبية التي يتم إنتاجها منذ سنوات نتيجة الزخم الحاصل في الحالة الليبية والتي استطاع الكاتب والمخرج أن يجسدها في مختلف حلقات المسلسل.

أما من ناحية الأعمال الدرامية يقول الحريك ، لازلنا نعاني أزمة في النص، والأداء التمثيلي؛ رغم التطور الملحوظ في جودة التصوير والإخراج، لكن لازالت توجد أزمة في النص بشكل أساسي؛ إضافة لضعف الأداء باستثناء نجاحات فردية ملحوظة في بعض الأعمال الدرامية، لكنها لم ترتقِ بعد لمستوى الطموحات، والإمكانات الإنتاجية المتوفرة في السنوات الأخيرة.

وتضيف الإعلامية منى توكا ، أنها  لم تشاهد عدا مسلسل “بنات العم”  من إخراج  أسامة رزق وهذه المرة الأولى التي أتابع فيها عملا ليبيًا ، وبحسب توكا أن المسلسل جميل إخراجيا وفنيا وحتى أن هناك حوارات عميقة، يتناول قضايا هامة ويثير رسائل ونقاشات جوهرية.

ورأت أن العمل يحاكي الواقع وينفي مقولة “جوزوه بيش يعقل” الجملة الشهيرة في حياة أغلب الليبيين ، وأوضح المسلسل أنه لا يمكن لأي رجل بالغ أن يتغير بواسطة امرأة إذا كانت المرأة التي اختارها غير قادرة على تغييره!

المرأة ليست مجرد إصلاحية تستقبل رجلاً تكتنفه العيوب وتعيد تشكيله ليصبح زوجًا أو إنسانًا أو أبًا صالحًا.

بالإضافة إلى ذلك يحاكي المسلسل قبول المرأة لأي رجل دون وجود التوافق الفكري ودون أن ترى في خلقه ما يرضيها على أمل تغييره أو تجاوز الحقائق وتصديق الحياة الوردية التي يرسمها لها، ستندم على ذلك قريبًا وليس في وقت لاحق.

وعلى الرغم من إعجابها بالعمل الدرامي لا تؤيد الخاتمة ويبدو أنهم لم يعرفوا كيفية إنهائها، أو أنهم كانوا على عجلة لختم المسلسل، فانتقام الشخصية البطلة غير مفهوم  ولا تتوافق مع الخلفية الدرامية للشخصية.

و على النقيض ترى توكا أنها شاهدت بعض الأعمال التي تفننت في إظهار العنصرية والتخلف الدرامي والإنساني ففي مسلسل “الشيخ سعود ” كانت هناك عنصرية وخطاب كراهية موجه لجنسية من الجنسيات المجاورة ليس هذا فقط بل تعدى ذلك إلى الإساءة لكل السود ومنهم اللبيين عندما استخدموا الـ“black face” ومن يفهم في تاريخ الفنون التمثيلية سيعرف أن الوجه الأسود أو لطخ وجه ممثل أبيض باللون الأسود كان من قرنين يستخدم في أمريكا لإضحاك البيض وذلك بالاستهزاء على السود قبل تجريمه في أمريكا، وتتابع لا أعتقد أننا في ليبيا ينقصنا ممثلون سود ليفعلوا ذلك وبعد أيام من هذا المشهد أعاد أصيل بحير في مسلسله صاير صاير ذلك الفعل عندما مثل دور عامل وافد مستخدما ال black face ولطخ وجهه بالأسود ، أعتقد إذا كانت في ليبيا جهة تراقب الفن لتم مقاضاة صناع هذه الأعمال العنصرية.

وترى الناشطة أمل الشريف أن الدراما والأعمال الفنية في ليبيا تعتبر متأخرة جدا وينقصها الكثير والكثير لتضاهي الأعمال الفنية العربية ، وتجد الشريف في رمضان 2024 أن كل الأعمال الغنية مستنزفة وتكرر نفسها في كل عام وخاصة شط الحرية الذي يحاكي نفس القصص ولا توجد به أي رسالة ولا يتم من خلاله معالجة أي قصة في الواقع ، أما مسلسل صاير صاير المستزف في كل عام  فمن وجهة نظري أنه فشل من أول جزء حيث يحاول المسلسل تسليط الضوء على همجية الشاب الليبي وعنفه مع أسرته وسوء نية الكنة الليبية.

وترى الشريف أن مسلسل حسن وكناينه يعتبر أفضل عمل أسوة ببنات العم إلا أنه ينقصه الحبكة والأداء الجيد من قبل الممثلين.

وترى الطالبة أسيل عمر أن الدراما الليبية في تحسن كبير بفضل المخرج أسامة رزق والكاتب سراج هويدي الذي بفضلهم أوصلوا أول عمل فني ليبي لأكبر منصة على مستوى الوطن العربي “شاهد ” رغم الأخطاء التي بالمسلسل إلا أنه استطاع النجاح خلال 14 حلقة.

وأفاد الناشاط سالم أحمد ، أن شركة الخليج العربي النفطية اشترت حقوق مسلسل شط الحرية بعشرة ملايين دينار لصالح قناة المسار بحسب قوله.

وتساءل هل يستحق هذا المسلسل الكوميدي الصغير والمحدود هذا المبلغ الضخم؟   الذي يحاكي نفس المواضيع على أساس أنها تتلاعب  بمشاعر الناس تارة غزة وتارة درنة وتارة على المتجاوزين دون أي قصة أو سيناريو أو حبكة كله عبارة عن فكاهة مباشرة خالية من أي إبداع.

وأشار إلى أن المشاهد الليبي يحتاج أعمالا درامية حقيقية تناقش قضاياه  وهمومه ومشاكله في سياق درامي حقيقي بعيدا عن الخيام  والماعز مقابل ملايين من قوت الليبيين

مؤكدا أن شط الحرية أصبح مجرد غناوة فارغة من أي هدف أو مضمون.

أما الناشطة لطيفة فتحي ، تقول غير مسموح لأسامة رزق  ولا أي مخرج أن يضرب  بالهوية الليبية والموروث الثقافي  ل 7 مليون  ليبي عرض الحائط.

العمل شكليا لا يمثل حتى 1% لا شكلنا ولا بيوتنا ولا حتى شوارعنا ولا عاداتنا أثناء الخطوبات والأفراح ،وكأن المخرج  لم يدخل أي بيت ليبي  ولم يحضر أي مناسبة ليبية.

وترى لطيفة أن الانتقام في خاتمة مسلسل بنات العم رد فعل مبالغ فيه لفتاة محترمة خلوقة متحجبة تربت على أصول الدين وبكامل قواه قواها العقلية.

ولاحظت فتحي أن العمل لم يراعي الجانب الديني من القصة ولا الجانب العقلاني ، فالشخص القاتل ستكون لديه معطيات ، والمعطيات على قساوتها غير متواجدة بشخصية عفاف.

أما أماني الحضيري تقول إن الفن رسالة ولا أدري ما هي الرسالة التي أرادها صناع عمل بنات العم عندما قتلت البطلة زوجها الذي تزوج ابنة عمها وسافرت لاستكمال دراستها في أفضل دولة يطمح لها أي طبيب متناسين أن من يتابعهم الفتيات المراهقات.

متسائلة لماذا لا يتم تصوير الأعمال الدرامية الكبيرة داخل ليبيا ؟

ولماذا تم تصوير العمل بأقل الإمكانيات وخاصة أن العمل تمت متابعته عربيا لا محليا.

وفيما يخص البرامج تقول منية محمد برامج الطبخ الليبية لا تمت لنا بأي صلة ، فالليبيات يُجدْن الطبخ والترتيب لماذا الصورة التي أعطتها  البرامج على  أننا لا نجيد التعامل حتى مع أكلاتنا الشعبية ، ناهيك عن تعامل لجنة التحكيم والأسلوب السيء الذي تعرضت له المشتركات وافتعال المشاكل ومونتاج اللقطات لصالح صناع العمل لجلب أكثر مشاهدة ، مؤكدة أن سياسة هذه البرامج تعطي صورة سيئة للمرأة الليبية أمام العالم العربي المتابع.

وأفادت الهيئة  العامة لرصد المحتوى الإعلامي في بيانً لها عبر موقع الفيسبوك ، أنه في إطار تعزيز ثقافة الحوار والاحترام، ومن النتائج التي توصلت إليها من خلال رصدها للبرامج الرمضانية، تضمنت بعض المخالفات في بعض المسلسلات والبرامج  الرمضانية من بينها وجود عبارات السب والشتم في بعض المسلسلات ، وإظهار الفئات الهشة في صورة سلبية بالإضافة إلى الترويج للعنف والسلوكيات السلبية.

وأكدت على أهمية دور الإعلام في نشر القيم الإيجابية، وتعزيز ثقافة الحوار والاحترام، وتدعو جميع القنوات الفضائية إلى مراعاة ذلك عند عرضها في برامجها، وذلك من خلال الالتزام بمبادئ مدونة السلوك المهني الإعلامي ، والتركيز على المحتوى البنّاء الذي يُساهم في تنمية المجتمع، والترويج للقيم والسلوكيات الإيجابية.

كما دعت جميع أفراد المجتمع إلى التفاعل مع هذه القضية، والتعبير عن آرائهم، وتقديم الشكاوى للهيئة العامة .

ويضيف الإعلامي عبد العزيز الوصلي ، نعيش في ليبيا طفرة إنتاجية على مستوى الدراما والبرامج التلفزيونية منذ بضع سنوات لا تخطئها عين مراقب، وكنا حذرنا من الخداع البصري الذي قد ينتج عن ضخامة الإنتاج والاستعانة بأحدث التقنيات على حساب جودة المحتوى والرسالة الفنية، وهذا ما حصل للأسف، فبعض الأعمال الفنية ظلت في خانة الهواة ولم تتجاوزها على المستويين الإنتاجي المادي وكذلك الفني الإبداعي، والبعض الآخر تطور فقط من حيث الإنفاق المالي والاستعانة بالتقنيات الحديثة التي غالبا ما يُستجلب معها أيضا من يديرها من خارج ليبيا، والسبب في رأيي يرجع لاحتكار تلك الفرص الإنتاجية المحدودة لأسماء بعينها على مستوى الكتابة والإخراج تفتقر للموهبة الحقيقية، وربما السبب الثاني هو عدم تفرقة الجمهور بين المهام والعمليات المكونة للعمل الدرامي، فجودة التصوير والإضاءة والإنفاق على الديكور والأزياء ومواقع التصوير هي عمل المنتج وتتوفر بتوفر الأموال ولا علاقة لها بصنعة الكاتب أو المخرج اللذين يجب أن يقيّما على جودة النص وطريقة تقديمه فنياً لا على أنواع الكاميرات والبيوت والديكورات المستخدمة.

أما ما يتعلق بمضاهاة الأعمال العربية التي تتراوح مستوياتها بالتأكيد في البلد الواحد إن ذكرنا مصر وسوريا كبلدان رائدة في هذا المجال، فما ينقصنا هو تنظيم الإنتاج الدرامي وتحويله إلى صناعة حقيقية بضوابط مدروسة مع فتح الباب أمام جميع شركات الإنتاج والمبدعين للمنافسة بشكل شفاف تتكافأ فيه الفرص، ومن ثم ترك التقييم والحكم النهائي للمشاهد، فالاحتكار الذي مارسه البعض أضر بالمنافسة التي من شأنها أن ترفع جودة المعروض مع مرور الوقت.

عندما نلقي نظرة على الدراما الليبية في السنوات الأخيرة، نجد آراء متباينة بين المشاهدين والنقاد.

فبينما يروي البعض أن الدراما الليبية قد استطاعت أن تتألق وتبرز في هذه الفترة، رغم بعض الأخطاء الصغيرة، ويرى آخرون أن صناع الأعمال في ليبيا يتجاهلون القوانين ولا يوجد جهة قانونية تحاسبهم على تلك التجاوزات.

من جانب آخر، يشعر البعض بأن الأعمال الفنية في ليبيا تكرر نفسها ، وأنها لم تعرض شيئًا جديدًا أو مبتكرًا ، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى شعور بالملل والتكرار لدى بعض المشاهدين، وأبدى عدد من المحللين قلقهم إزاء جودة بعض الأعمال الليبية وأشاروا أنها قد تعاني من قصور في السيناريوا والإخراج والأداء .

وعلى الرغم من الآراء المتضاربة، فإن الأعمال الليبية لا تزال تحظى بشعبية واهتمام الجمهور، وتعتبر وسيلة للتعبير والتواصل الاجتماعي في المجتمع الليبي،  ومع توفير الدعم والإرادة المناسبة، يمكن تحقيق تطور وتحسين في صناعة الدراما وتجاوز التحديات التي تواجهها.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :