الرأي مع الحال

الرأي مع الحال

عبد الرجماعة

لعل ثمة مستوى أعمق في فهم قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً}، [الشرح: 5]، وهو أن اليسر يتزامن مع العسر، وأن الحل يتزامن مع المشكلة، وأن الطاقة تتوفر حين الحاجة إليها، أي ليس قبلاً ولا بعداً!.

فلا تُجهد نفسك بالبحث عن حل لمشكلة لم يحن أوانها، لأنه حين تأتي المشكلة يأتي معها حلها، وحين تواجهك المصاعب ستجد اليسر مُرفقاً معها، لذلك يقول الانجليز: “لا تفكر في عبور النهر حتى تصل إليه”، ويقول الليبييون “الراي مع الحال”، ولا تُسمي ولدك حتى يولد، ولن تعرف ما تقول حتى تسمع ما يقال لك، ولا تخترع حلولاً لمشكلة أنت من افترضها!.

هل تعرف لماذا؟!

لأن الكون برمته لا يوجد إلا في زمن (الآن)، ولا يتجلى إلا في صيغة الحاضر، وكل ما عدا الآن هو محض الوهم، ومنتهى العدم، وما سوى الحاضر إما ماضٍ قد مات، وإما مستقبل لم يولد ولا تعرف كيف سيولد!.

لفت انتباهي المثل الشعبي: “الحي في اللي يالاه”، ولماذا قالوا (الحي)، ولم يقولوا (الإنسان) مثلاً؟!

لإن المرء إذا لم يكن فيما يليه من الأمور فإنه سيكون إما في الماضي أو في المستقبل، وكلاهما عدم، ووجودك فيهما يعني وجودك خارج نطاق الحياة، لأن الحياة لا توجد إلا في الآن.. والآن فقط!.

وهذا بالضبط ما يؤكد عليه (إيكارت تول) في كتابه (قوة الآن).

يقول الكاتب: “اسأل نفسك أي (مشكلة) لديك الآن، وليس السنة القادمة، غداً، أو بعد خمس دقائق من الآن – ما الخطأ في هذه اللحظة؟ إنك دائماً تستطيع أن تكافح مع (الآن)، ولكنك لا تستطيع أن تكافح مع المستقبل- ولا يجب عليك ذلك. الجواب، القوة، الخطوة الحازمة أو الدهاء سوف تكون هناك عندما تحتاجها، ليس قبل أو بعد”.

إن الله لم يقل: إن بعد العسر يسراً، كقول الناس: “ما بعد الشدة إلا الفرج”، وإنما جاء بلفظ “مع”، وهذه المعية تقتضي المصاحبة والمزامنة!.

لا يمكن للإنسان أن يفترض حلولاً لمشاكل مفترضة، لسبب بسيط وهو أنه ريثما تحدث المشكلة المتوقعة تتبدل الظروف، وتتغير المعطيات، وتتجدد أشياء وتموت أشياء أخرى!.

أراد أحدهم الهجرة إلى بلد ما، فوضع خططاً مفصلة عن كل شيء؛ العمل، الإقامة…إلخ، وبمجرد وصوله إلى مهجره مزَّق كل ما كتبه، وبدأ بوضع خطط جديدة!.

وآخر رسم في مخيلته كل تفاصيل حياته الزوجية، وفي ليلة الدخلة، وبكلمة واحدة من العروس نسفت كل ما تخيله المسكين!.

هل يستطيع لاعب كرة أن يتخيل مسارات الكرة، أو يُحدد حركة خصومه، أو يُقدر مدى تفاعل فريقه معه قبل المباراة؟!

بالطبع لا!.

وكذلك أنت في معترك الحياة لا يُمكنك التعامل مع مليارات الاحتمالات التي يُمكن توقعها في القادم من الزمن، وإنما أنت كلاعب الكرة لا يُمكنك التفكير إلا في النقلة الحالية، فإن حاولت التفكير فيما بعدها خسرت!.

وأخيراً..

الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هي:

1.     أن كل مشكلة لها حل.

2.     أن الحل يأتي متزامناً مع المشكلة.

3.     أنه لا يُمكن إيجاد حلول لمشاكل متوقعة.

4.     أن محاولة إيجاد حلول لمشاكل متوقعة يشتت الطاقة، ويفاقم المشكلة!.

5.     بعض المشاكل لا يُمكن حلها إلا إذا قمنا بتفكيكها وتقسيمها إلى أجزاء، وتعاملنا مع كل جزء على حدة!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :