المستشارة القانونية : فاطمة درباش
سحب القرار الإداري (هو قيام الجهة الإدارية بمحو القرار الإداري وإلغاء كافة آثاره، بالنسبة للمستقبل والماضي) ومن التعريف يتبين لنا أن الجهة التي تملك سحب القرار الإداري، هي الجهة الإدارية سواء مصدره القرار أو السلطة الرئاسية لها.
يتم سحب القرارات الإدارية الفردية خلال المدة التي يجوز فيها الطعن بالإلغاء أمام القضاء , أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدورها بحيث إذا انقضى هذا الميعاد اكتسب القرار حصانة تمنعه من أي إلغاء أو تعديل. -أما بالنسبة للقرارات الإدارية غير المشروعة فيجوز سحبها في أي وقت حسبما تقتضيه المصلحة العامة.
والفرق بين السحب الإداري والإلغاء الإداري هو أنه سحب القرار الإداري قيام الجهة الإدارية بمحو القرار الإداري وإلغاء كافة آثاره كأنه لم يكن للمستقبل والماضي. بينما إلغاء القرار الإداري هي الدعوى التي يرفعها المتضرر أمام القضاء الإداري والذي يكون موضوعها إلغاء القرار الإداري؛ كذلك الفرق بين سحب القرار الإداري و الإلغاء الإداري يتحقق الإلغاء الإداري من تاريخ الإلغاء ومن ثم يتجرد القرار الإداري من قوته القانونية بالنسبة للمستقبل دون أن ينصرف ذلك للماضي أي (منذ صدور القرار).
ميعاد سحب القرارات الإدارية – تحصن القرار بعد فوات الميعاد وهو 60 يوماً ،أما الاستثناءات على هذه القاعدة – حالة انعدام القرار الإداري، وحالة صدوره بناء على غش أو تدليس – خطأ الإدارة وهي بصدد استعمال سلطتها التقديرية لا يبرر لها.
أما عن متى تستعمل الإدارة السحب ومتى تستعمل الإلغاء؟
ويكون إلغاء القرارات الإدارية في حالتين: ترتبط الأولى برغبة الإدارة في إلغاء الآثار التي رتبتها القرارات الإدارية من آثار قانونية، أما الثانية يكون فيها الإلغاء إداريا بناء على صدور حكم قضائي في مواجهة الإدارة، ذلك بأن سلطة الإدارة في إلغاء القرارات الإدارية ، هي سلطة مقيدة بضوابط وقيود تتمثل أساسا في مبدأ المشروعية.
مبدأ المشروعية مُؤداه خضـوع سـائر سُلطات الـدولة لأحكام القانون، بحيث تكون تصرفاتها محُددة بسياج قانوني لا تستطيع أن تتعداه، حيث أن الإدارة مُلزمة عند مُباشرتها لأوجه نشاطها باحترام القواعد القانونية النافذة َّ أياً كان مصـدرها، فكل أعمال الإدارة سواءً كانت أعمالاً قانونية أو تصرفات عادية يجب أن تتم في حدود القانون.
إن الالتزام بسحب القرار الإداري نتيجة مُترتبة على الأخـذ بمبـدأ المشروعيـة، والذي يعني أن الإدارة مُلزمـة باحترام القواعد القانونية، ويُصــحح الأوضــاع المُخـالفـة لهـا، وهـذا مـا أكـدته المحكمة العليا الليبية في حُـكـمـهـا بـتـاريـخ 9/5/1964م الـذي جـاء فـيـه (المشروعية أو مبدأ خضوع الإدارة للقانون معناه أن كل أعمال الإدارة يجب أن تكون أعمالاً مشروعة ولا تُخالف القانون…) .
إن الســحـب يرد على القرارات الشــخصــية والقرارات الشرطية، حيث أنها ترتب حقوقاً ومراكز شخصية بالنسبة للأفراد، وهي التي َّ ضــمن القانون لها الحماية وإلزام الإدارة باحترامها وعدم التعرض لها تطبيقاً لمبدأ اســتقرار الآثار الفردية للقرارات الإداريـة، أمـا القرارات التنظيميـة فهي تخرج من نطـاق تطبيق نظرية الســحب لأن هذه القرارات تُنشــئ مراكز عامة وغير مُعدة أصلاً لإنشاء الحقوق.
حق الإدارة في سحب قراراتها المعُيبة يرتكز عن قاعدتين أساسيتين وهما حق الإدارة في تصحيح الأوضاع المُخـالفة للقانون ورد تصرفاتها إلى حظيرة القانون طبقاً لمبدأ المشروعية، ووجوب اســتقرار الأوضــاع والمراكز القـانونيـة المتُرتبـة على القرار الإداري وللتوفيق بين هـذه الاعتبارات، حيث اسـتقر القضـاء على أن سـحب القرار المُعيب من طرف الإدارة يكون في الفترة التي يكون فيهـا القرار مُهـدداً بالإلغاء القضــائي، وهي ســتين يوماً اعتباراً من تـاريخ نشره أو إعلانه لصــاحب الشــأن.
أما عن مكنة سحب القرار الإداري السليم ، فقد استقر الفقه ومعظم الأحكام القضائية على أن: “القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة، وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوامر”.
والخلاصــة فإن الســحب يعني رجوع الإدارة عن قرار أصدرته بالمُخالفة لنصوص القانون، ويمتد أثره بتاريخ رجعي وكأن القرار لم يُولد مُطلقاً ولم يُرتب أي آثار قـانونية . ومن البـديهي أن تتوافر في القرار السـاحـب شروط الصحة المتطلبة في إصدار القرارات الإدارية بصفة عامة.