الشعب يطالب بالإعدام

الشعب يطالب بالإعدام

  • المهدي يوسف كاجيجي

رمضان كريم عبر كل الحقب، وسيظل كريما حتى يرث الله الارض ومن عليها. أنا ابن جيل عاصر رمضان في سنوات الفقر والضيق والضنك، عندما كانت ليبيا يطلق عليها (صندوق من الرمال). عشنا حقبة الرخاء بعد اكتشاف النفط عندما أصبحت (صندوقا من الذهب). في سنوات الضنك كانت تجمعنا المحبة والتراحم، وتحل علينا البركة. كانت أبواب البيوت واهلها البسطاء، مشرعة الأبواب أمام الأهل والأصدقاء والجيران وعابري السبيل. يقول صديقي أبن المدينة القديمة: كنت طفلًا عندما رحل ابى وعشت حياتي مع أم ضريرة، اتذكر في رمضان وقبل الإفطار كان بيتنا يزدحم بأطباق الأكل “المعاجن” المرسلة من بيوت الجيران.

الشعب يطالب بالإعدام
في سنوات الرخاء، تغيرت الدنيا، اتسعت البيوت، وضاقت القلوب، وغابت الرحمة، واختفي التراحم، وأصبح رمضان زائرا غريبا. في اول رمضان حل علينا، بعد سقوط النظام الملكي بثلاثة شهور، وفى اليوم السابع من ديسمبر 1969م، وكان موافقا لليلة القدر، خرجت المظاهرات تنادى: الشعب يطالب بالإعدام.. الشعب يطالب بالإعدام. والمطلوبين هم مجموعة من الضباط صغار الرتب، وعلى رأسهم وزير الدفاع المقدم آدم الحواز، ووزير الداخلية، والمقدم موسي أحمد، بتهمة محاولة انقلاب على الثورة وظهر المقدم الحواز وعلى وجهه اثار التعذيب.

“الدراما” الليبية في رمضان
مع انتشار الفضائيات العربية، اشتهر رمضان بعرض المسلسلات التلفزيونية. ولكن في ليبيا كانت الحالة فريدة، كانت “الدراما” الرمضانية تعرض في بث مباشر حي “لايف”. كانت البداية على ما اعتقد مسلسل “وغرني الشيطان ” وهي عرض للتحقيق مع عدد من كبار موظفي الدولة، بتهمة الاختلاس، وكان الغرض منها واضحا، هو التشهير والابتزاز بهدف اقتسام المعلوم.

تطورت العروض الرمضانية في ليبيا، ولن ننسي مسلسل “الهجوم على باب العزيزية” وهو نوع جديد من “الدراما” السوداء التي حولت ليالينا الرمضانية إلي أمسيات مرعبة، من خلال تقديم عروضها عبر نقل مباشر، لحظة الإفطار، لنقل وقائع تنفيذ حكم الإعدام شنقا من الميادين العامة في بنغازي، وطرابلس، وطمزين، ونالوت، وسوق الجمعة، وجادو، وزوارة، وطبرق. مشاهد لا زالت محفورة في ذاكرتنا، لقطات حية لمشانق علقت فيها أجساد طاهرة، لشباب في عمر الورود، أئمة مساجد ومهندسين ورجال اعمال وطلبة. ولن يمكن أن ننسي العرض المباشر ” لايف” الذي تم نقله من المدينة الرياضية في بنغازي للمرحوم المهندس الصادق حامد الشويهدي، وهو يستجدي جلاديه باكيا، في مشهد تقطع له نياط القلوب، طالبا الرحمة. والجموع المجنونة تتراقص حوله. ولن ننسى الجواثم الطاهرة التي تم نقلها على ظهر عربات القمامة المكشوفة لتقوم بجولة في شوارع المدينة مصحوبة ببث مباشر على موجات الأثير.

“دراما” فبراير
مسلسلات سبتمبر كانت لها بداية ونهاية، ولكن “دراما” فبراير هي عرض مستمر، تعب فيها الممثلون والمتفرجون معًا. فوضى عارمة لبلد يتواصل انهياره، ويتم نهبه على مرآى من الجميع، افلاس تام وطوابير مذلة للحصول على ابسط الحقوق. انقطاع متواصل للكهرباء والمياه والوقود. حرب أهلية الاحتماء فيها بالأجنبي، يتواصل فيها القتال في الشهر الكريم، حاصدًا الأرواح، مشرداً الأسر، مدمرًا الممتلكات. اعتقدنا ان الابتلاء بالفيروس اللعين سيعيد لنا الرشد، وفرصة ثمينة للحفاظ على ماء الوجه، وضم الشمل ووضع نهاية لحالة الانتحار الجماعي لوطن بكامله، وعودة الى الوعي الوطني وإدراك الخطورة القادمة لما بعد الكورونا وتوابعها، لكن يبدو أن فيروس الحقد الليبي أقوي من كل فيروسات الدنيا مجتمعة. ولم يبق لنا إلا الدعاء، أن يرحمنا الله مما هو قادم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :