العشوائيات وأثرها الاقتصادي والاجتماعي

العشوائيات وأثرها الاقتصادي والاجتماعي

  • م. أحمد علي أبو شريعة ahmedabushriah@gmail.com

من المعتاد في دول العالم أن تكون العشوائيات في أطراف المدن و حولها كما هو الحال في القاهرة أو نيودلهي و هي مشكلة عالمية تسعى منظمة الأمم المتحدة للحد منها عبر برنامجــــها الطمـــــــوح للمستوطنات البشرية و المــــعروف باسم (UN-Hbitat)United Nations Human Settlements Programme . . المشكلة عندنا في المدن الليبية أكبر من ذلك بكثير لأن البناء العشوائي لم يعد في أطراف المدن فقط بل أصبح داخل المخططات العامة على المساحات الفضاء المخصصة لإنشاء مبانٍ حكومية أو حدائق أو مواقف للسيارات .. إلخ أي أن المشكلة أصبــــــحت مركبة داخل المدن (المــــــخطط العام ) و خــــــارجها و بالتالي تكون نفقات الدولة كبيرة لـــــــحل الإشكالات المرتبطة بالعشوائيات مما يعني صرف أموال بدون مبرر من خزينة الدولة على هيئة تعويضات للمتضررين من عملية إزالة العشوائيات . و هنا لا نريد تغييب الدور الأساسي الذي تلعبه و لعبته مؤسسات الدولة الخدمية في تكريس ثقافة البناء العشوائي فإن الدولة ساهمت في انتشار هذه الظاهرة السلبية و التي تؤدي إلى التخلف العمراني و ذلك للأسباب التالية : – التوقف عن استحداث مخططات سكنية أو صناعية أو تجارية جديدة خلال فترة زمنية طويلة (حوالي 25 سنة) و هذا ما يتعارض مع النمو الطبيعي للسكان و بالتالي توسع الأنشطة المختلفة عشوائيا . – السماح للأفراد ذوي الصفات غير الاعتبارية بإعداد مخططات سكنية في حدود ملكياتهم دون التقيد بمواصفات و معايير مصلحة التخطيط العمراني و دون وجود أي رابط مع المخطط العام مما يترتب عليه صعوبة دمجها مع المدينة من حيث توصيل الخدمات مثل الطرقات و المياه و الصرف الصحي . – عدم تفعيل دور الحرس البلدي لضبط مخالفات البناء العشوائي . – إيقاف منح رخص البناء مما نجم عنه استمرار عمليات البناء دون الرجوع للجهات المختصة . توجد مخاطر للبناء العشوائي و لها عدة تداعيات اقتصادية على الدولة و أخلاقية على المواطن و أهمها : 1- صرف أموال هائلة للتعويض عن الإزالة و قد تصرف هذه الأموال مرة أخرى من قبل المستفيدين لإنشاء عشوائيات أخرى في أماكن جديدة مثل ما حدث في مدينة طرابلس عندما تم إزالة بعض المباني لغرض التطوير و تعويض أصحابها قام هؤلاء بشراء أراضٍ أخرى خارج المخطط العام للمدينة و بناء مساكن جديدة بمنطقة وادي الربيع مثلاً و هي نموذج للعشوائيات بمنطقة طرابلس الكبرى . 2- المنشآت الناتجة عن البناء العشوائي قد تكون مبانٍ عصرية حديثة متعددة الطوابق و لكن لم تمر في الغالب على هيئة رقابية متخصصة لمراجعة التصميم الإنشائي أو المعماري و ذلك مثل الفنادق و المباني التجارية ، لذا يجب التأكد من قدرة المنشأ على تحمل الأحمال و أداء الغرض المصمم له دون حدوث أي انهيارات قد تُودِي بحياة الناس و هذه هي المخاطر الأخلاقية لذا يجب أن توجد هيئة حكومية لمراقبة التنفيذ و التصميم للمحافظة على السلامة العامة . 3- مخاطر بيئية من حيث القضاء على الأراضي الزراعية و تحويلها إلى غابات من الإسمنت بدلا من الغطاء النباتي و أشجار الغابات التي كانت توفر حماية للمدن و متنفسا لها ، أضف إلى ذلك ما ينتج من مخلفات صرف صحي تجمع في اَبار سوداء و صرف صناعي يطرح على سطح الأرض . 4- التصميم الهندسي للطرقات مفقود تماما فلا توجد أرصفة للمشاة و لا عرض طريق مناسب و لا حتى المنحنيات الرأسية و الأفقية صحيحة مما ينجم عنها كثرة حوادث السير خصوصا ليلا . 5- عامل الزمن مهم في الحد من هذه المخاضر فكلما تأخرت الدولة في اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال وقف البناء العشوائي استفحلت المشكلة و كان الحل باهظ الثمن . 6- البناء العشوائي يسبب مشاكل مرورية و مختنقات في الطرق التي تقام عليها بعض المباني التجارية أو الخدمية و التي تتعارض مع تصنيف الطريق مما ينجم عنه زيادة في زمن الرحلة و استهلاك الوقود و بالتالي نفقات غير منظوره تتراكم مع مرور الزمن تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني . إن خلق البيئة المناسبة للسكن و العمل أحد العوامل الأساسية لتقدم الأمم و لا يتأتى ذلك إلا بالشراكة بين القطاع العام و الخاص لبناء بنية تحتية قوية بالمدن التي بها تجمعات سكانية و تخطيطها بشكل جيد و بالتعاون مع شريك ثالث و هو المواطن الواعي الحريص على التقدم و الازدهار فإن الدول لا تفشل بسبب حكوماتها فقط و لكن قد تكون السلبية و التصحر الفكري لدى المواطنين سبب مباشر و كافٍ لفشل الدولة .. دمتم سالمين و حفظ الله ليبيا .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :