العَافِي عَنْ خَمْسَة قَتَلَة ..لِتُزْهِرَ الدّمَاءُ صُلْحاً

العَافِي عَنْ خَمْسَة قَتَلَة ..لِتُزْهِرَ الدّمَاءُ صُلْحاً

  • حاورته :: زهرة موسى

يقول مثل إنجليزي ” أشرف الثأر العفو ” و المهاتما غاندي يقول” الضعيف لا يغفر فالمغفرة شيمة القوي”،أن تكون بمركز القوي وتستطيع أن تأخذ حقك عنوةً تماما كما سلب منك ، و لكنك تعفو عمن ظلمك ،فهذا فعل قوة لاضعف ، في وسط مدينة ، أبعد ما تكون عنها المدنية عندما يتعلق الأمر بالثأر وإبراهيم بطل قصتنا هو أحد هؤلاء الأقوياء النادرين الآن في واقعنا خاصة وأن عرفنا إن أكثر أسباب اندلاع الحروب في مجتمعنا السبهاوي منذ سنوات هو الأخذ بالثأر ،حتى أن الأمر تمرد على سلطة الدولة العليا وصار واقعاً مفروضا ، ضمنيا تجد الناس هنا يتحدثون عن قضية أخذ الثأر بكونها أمرا طبيعيا جدا ، أما الأجهزة الأمنية فهي أضعف من أن تبدي رأيها في هكذا أمر ، كثيرة هي الأسباب التي زادت من الشقاق الاجتماعي داخل سبها لعل أهمها رفض تسليم القتلة من قبل ذويهم ، ،

فماذا يحدث إذا تنازل أحدهم و عفا عن قتلة أخيه فقط من أجل أن يعم السلم؟!

ابدأ بنفسك فانهها عن غييها هذا ما سيرويه بطل قصتنا: إبراهيم محمد ناشط مدني في مجال المصالحة الوطنية ، من سكان مدينة سبها ، يرأس المنظمة الوطنية للمصالحة والسلم الاجتماعي التي شكلها بعد مقتل أخيه وتواصل من خلالها مع جميع المتنازعين في ربوع ليبيا ، في”ترهونة ، طرابلس ، بني وليد ، مصراتة ، الزنتان ، المشاشية ، وكذلك بين القبائل ” أولاد سليمان ، القذاذفة على حد سواء”. يقول الله عز جلاله في كتابه: { تأمرون الناس بالبر والتقوى تنسونا أنفسكم } هكذا قال”إبراهيم محمد ” رئيس المنظمة الوطنية للمصالحة و السلم الاجتماعي ” في بداية حديثه: “بعد دخولي لوسط المصالحة أحببت أن أبدأ بنفسي ، وأتصالح و أعفو عن قاتلي أخي ،وهم خمسة أشخاص ، وليس قاتلا واحدا، أردت أن أعفو عنهم ،خالصا لوجه الله بدون أي مقابل مبدلا الدنيا بالآخرة ، لتكون بادرة خير في مجتمعنا الفزاني ، فنحن نعلم أن تركيبة هذا المجتمع من أخطر التركيبات وأكثرها نزعة لأخذ الثأر وسفك الدماء ، مخلفةالحقد الذي يسود المدينة .. يؤكد إبراهيم بادرتي نبعت من الرغبة في إنارة مصباح وسط هذا الظلام الحالك من قتل و تقاتل بين المكونات ، وأتمنى أن يتقبلها الله مني خالصة لوجهه الكريم بلا رياء . يستذكر بطل قصتنا والحزن يعلو تقاسيم وجهه ، كان ماحدث في ذلك اليوم مشؤوما لم يتوارد لذهن إبراهيم أو أحد أفراد أسرته، حسب حديثه . يضيف مع غروب ذاك النهار الحزين يوم السبت الموافق 7-7-2017 مع دقات الساعة السادسة و النصف مساء رن جرس الهاتف ، وتلقينا النبأ المأساوي،فقد أخبرونا بأن أخي خالد قد أصيب بعيار ناري ، وهو طريح بمركز سبها الطبي ، فاتجهنا بسرعة إلى المستشفى . يصمت محدثنا برهة من الزمن ليضيف بأسى ، كان خالد شاباً متزوجاً منذ عام 2011 ، ولم يرزق بذرية، وقد خرج ليجلب “مضخة مياه ” للمنزل ، و عندما وصل إلى دائري المنشية ” شارع 40 أطلق عليه الرصاص من قبل سيارة معتمة الزجاج نوع “هونداي فيرنا ” عند السادسة و الربع. بدأت ملامح الحزن تغزو وجهه .. و أكمل مايرويه ” طلب منا الطبيب أن نوفر أكياس دم ، فاتجهت فورا إلى المختبر المركزي ، وقبل وصولي بالقرب من عيادة ” الأمين ” اتصل بي أخي الأكبر” بدر ” ، و أبلغني أن” خالدا ” رحمة الله عليه “، فأجبته ، إنا لله و إنا إليه راجعون ، و { كل نفس ذائقة الموت } .. والحمد لله ألهمني الله الصبر ، فسألت الله أن لا نكون فتنة و أن لا يجعلنا سبباً في إزهاق أرواح المسلمين ، لأن هدم الكعبة أهون على الله من إراقة دم مسلم. يشير إبراهيم ، مقتل أخي تسبب بأضرار نفسية و معنوية كبيرة للعائلة صدمة ووجع وتشتت الموت لا أحد يحسب له حسابا أو ينتظره لكنه يحل بك فجأة كالصاعقة . استرسل بعينين شاردتين مليئتين بالدموع ، و بدأ يسترجع تلك اللحظة المريرة، ويعيشها من جديد بكل ما تحمله التفاصيل من مشاعر مؤلمة .. فقال ” قبلت جبينه ، كان موقفا مؤثرا و صعبا جدا ، و لكني حاولت أن أصبر ، ووقفت أستقبل المعزين، و كنت أحتسب الله ” حسبي الله و نعم الوكيل ” ، فدعوة المظلوم تهلك أمة ، و خلال العزاء جاءني المفتنون ، و لكنني والحمد لله لم أستمع للشيطان أعوذ بالله منه ومن الحقد و الجهل، فلطالما كنت دائما أستمع لصوت العقل و الحكمة .

نوه ” كان أبي رجلا فقيها ، قارئ قرآن ، و كان مدرسا للقرآن الكريم في ستينات القرن الماضي في فزان ،فكان دائما يدعو إلى لم الشمل ووحدة الكلمة ، فجلست إليه ، و قلت له ” خالد مشى، يجمعنا الله به بالجنة ” ، ولكني سأطلب منك أن لا تدعو على قاتليه ، لأن دعوة المظلوم سيسلطها الله عز وجل على المجتمع ، فوكل أمرك لله و هو سيأخذ الحق . فقال والدي : ” اللهم لا تجعلنا من الفاسقين و لا من المنافقين ، ولا تجعلنا من الذين إذا استجيبت دعوتهم قضت أمورهم ، وسلطت بالبلاء على الجميع ” ، ونهينا عن الدعاء على مرتكبي هذه الجريمة ، وأوصاني والدي أن أكون قدوة لغيري . جُرْحَانِ تَشَاطَرَا القُلُوب! كانت وفاة والدي مصاباً جديداً قبل أن تلتئم جراح فقد الابن والأخ، لازالت حرقة الفقد تشتعل بالقلوب فقد”مرت أربعة أشهر على وفاة خالد ، ومرت الأيام ثقيلة جدا، ولم نكن قد استوعبنا بعد فقده ، لتزيد وطأة مأساتنا موت الأب ، ففي يوم 2/12/2017 توفى والدي حسرةً على أخي. “لنَتَصَافَحْ لِوَجْهِ اللهِ ” يرى إبراهيم” أن الظلم الذي يحدث في المجتمع ، و دعوات المظلومين ، باتت تصيب الظالم مع المظلوم، فقرر أن يطلق بادرة “لنتصافح لوجه الله ” وقال عن ذلك : أطلقت هذه البادرة داعياً لأن نتناسى أحقادنا ، فقررت بدون مشورة أحد من العائلة ولا أسرتي الصغيرة ، و لا حتى القاعدة القبلية التي أنتمي إليها ، قررت أن أتخذ هذا القرار لوجه الله ، الذي سيكون صوت الحق في هذا النفق المظلم . إعلان عن العفو. أشار ” قررت أني في ملتقى فزان سأقف على المنصة أمام الحضور بدون خجل ، و بدون أي مقدمات ، أن أعلن عن هذه البادرة ، أعلن بأني ” عفوت عن قاتليّ أخي ، الذين تسببوا بأضرار جسيمة لعائلة من أطيب عائلات فزان ، عائلة قد قدمت و ضحت لفزان بالغالي والنفيس ، كما أنها خرّجت أجيالا في العلم و القرآن. الآن الكثير ممن يعملون في مجال المصالحة ” ما يعرفوش قيمة المصالحة “.. فالمصالحة في منظورهم تقاس بالماديات ، و لكنها في حقيقة الأمر تنازل لوجه الله ” فوقفت و أعلنت العفو حتى يرفع الله البلاء عنا ، و الحمد لله فقد استجاب الله لهذه الدعوة لأنها دعوة طيبة، و منذ أن حصل العفو قلّت الجريمة بمجتمعنا ،فوقف المجتمعون بدموع المحبة ، وأظهر هذا الموقف المعدن الحقيقي لهؤلاء الناس ، فالشعب الليبي طيب جدا ، وصفة الطيبة غريزة فيه .

النّسَاءُ جَوْهَرُ مُبَادَرَاتِ الصّلْحِ ذكر ” فور عودتي للمنزل ، تهاطلت علي المكالمات من الأهل والأصدقاء والعائلة ،ولاموني على مافعلت قائلين : لماذا فعلت ما فعلت ؟ ، بكل تعصب ، فتحدثت معهم قائلاً” ما ترك الله خير مما أخذ في الدنيا ” ، فقالوا لي ” بارك الله فيك فقد غلبتنا بهذا ، وأجمع إخوتي الأكبر مني عقلا و عمرا على رأيي قائلين : ” يا شيخ إبراهيم لقد غلبتنا ، و لقد أوتيت الحكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”.

فكانت صدمة لهم ، و في نفس الوقت كانت فرحة أيضا . أفاد ” قبل العفو كانت أحياناً تخامرني أفكار شيطانية ” انتقامية” و لكن بعد العفو ، أصبحت مرتاحا ، أنام و كأن خالدا لازال بيننا ، أحسست بنعمة العفو النابع من قلبي خالصا لوجه الله . وأظهر “والآن بعد أن قمت بالعفو تلقيت اتصالات من داخل الوطن و خارجه ، جلها تعبر عن روح الفرحة التي أبدت إعجابها بالمبادرة التي صار لها صدى غير مسبوق ، وتم استدعائي لإلقاء محاضرة بجامعة بنغازي ، وكذلك جامعة مصراتة ، وجامعة البيضاء ، وجامعة الشاطئ ، و أيضا جامعة سبها ، و نحن الآن بصدد الاستعداد لانطلاق نشاطنا ، و سنبدأ بالتركيز على المشكلة القائمة بين ” قبيلتي أولاد سليمان ،والقذاذفة”و شكلنا عنصرا من النساء لتمثيل طيف اجتماعي مؤثر ، و في الأيام الماضية كانت لدينا جلسة بالخصوص ، و لقد بدأنا بالتركيز على النساء ، لأن المتضرر الأهم هن النساء ، فالمرأة هي التي أنجبت و أفنت عمرها في التربية ، و الصلح الذي يخلو من النساء يعتبر ناقصا ، و نحن نعمل الآن على بتر هذه المشكلة من الجذور . ختم ” في النهاية من عفا و أصلح لوجه الله أجره على الله ، ونحن لا نسعى للمال ولا السلطة ، و إنما نبحث عن وطن ومن يريد الوطن عليه تقديم التضحيات ، و من تنازل تقرب الوطن إليه .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :