الليالي السود

الليالي السود

إبراهيم بشير زايد

حدث هذا قبل أن يصل إلينا النور عبر الأسلاك ،قبل اكتشاف جسد المرأة وقبل أن تحرم الفتيات من الشارع قبل بلوغهن التاسعة من أعمارهن ،حدث عندما كان جدي يتبختر بين المعاطن وهو يبرز رجولته أمام واردات الماء اللواتي يلتحفن بالعري رغم محاولتهن التخفي داخل أثوابهن وهن يمشين بخطى متعثرة ،كلما مررن بأحد الرجال وهو يحملق فيهن بغضب ممزوج باشتهاء تفصح عنه العيون والحركات التي تختبئ وراءها مشاعر متناقضة نادرا ما كانوا يفهمونها أو يعونها. جدي رجل حسب الأوصاف التي سمعتها من بعض عجائز الحي رجل مفتول العضلات مكتمل الرجولة يجيد أشياء كثيرة ، إحداهن قالت إني أشبهه في الهيئة، لكنه كان أكثر صرامة وأكثر جدية ، جدي كثيرا ما كان يسخر من الجميع ،عندما أراد الزواج لم يكن أحد يتوقع أن يخرق العادات بأن يسترق النظر إليهن، ليختار في زمن الممنوع ،وصادف أن رأى إحداهن ووقع عليها اختياره ،سأل في الخفاء عنها وأراد خطبتها وعرف أن اسمها………. أخبر أباه عن طريق أمه رغم شجاعته في الكلام وطلاقته وفصاحته لم يجرؤ أو أنه لم يرد ذلك … ذهب أبوه وخطبها له، حدد موعد الزواج ،أراد جدي أن يكسر العادات والتقاليد ولو كلفه هذا فقدان بعض الهيبة التي يراه أهل الحي عليها… قبل الفرح بيوم ،كان يوم السبت، في شتاء قارص تتجمد المياه في العود، كان يلبس عباءته البنية ،المصنوعة من وبر الإبل وهو يتبختر كالعادة وهو يرسم ابتسامة عريضة لا تليق بهيبته … ولاتنسجم مع ملامح وجهه المتجهمة… حاول أن يقترب من باب منزلها في جرأة حتى هذه الساعة يتحدثون عنها…. طرق الباب أجابت من الداخل من أنا………. قالت بلهجة مرتبكة وبعامية محكية ..شنو تبي..ماذا تريد.؟.. ضحك حتى خيل لها أن الجيران سمعوها… أريد حلالي.. نبي مراتي…!!!! شنو مش قادر تصبر لبكرة ..؟ روح شنو تبي تفضحني بين الصبايا.. ألست قادرا على الصبر إلى الغد ؟ هل تريد أن تفضحني في الحي وبين الفتيات؟ انت مراتي علي سنة الله ورسوله.. أنت زوجتي على سنة الله ورسوله.. افهمي!. باهي باهي فهمنا بكرة يصير خير حاضر حاضر لقد فهمت غدا يحدث خير ،وخطى قدميها تبتعد عن الباب وهي ترتجف لجرأة جدي وعاد هو خائبا لكن في نفسه بعض من نشوة النصر إنه فعل ما يمليه عليه فؤاده في الزمن المحرم… في يوم الأحد كان الحي أكثر بهجة وحبورا بمناسبة زواج جدي الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر على وجه السواء الرجال والنساء والفتيات وكذلك الأطفال و…. عندما جاء وقت المغرب وحان وقت الزفاف كان جدي يتمختر في ثوب الكتان وعليه عباءة من الصوف الأبيض الثقيل وحوله أصحابه وهو يتوسطهم وهم يغنون الأهازيج احتفاء بزواجه وفي نظراتهم شيء من الحسد والغيرة التي تطل برؤوسها رغم ضحكاتهم الماجنة.. فيما كانوا يسيرون كانت الفتيات يمشين نحوهم.. ببطء وارتباك وصلا إلى نقطة الوسط نظر إلى زوجة المستقبل وهي متدثرة بدثار على وجهها … من الصعب معرفة الملامح القابعة خلفه ،حاول مرارا اختراق هذا القناع السميك ليكون فكرة ولو مبدئية…. بدأ بالثرثرة على غير عادته محاولا خلق حالة جديدة في عرف الناس، بدأ بالشغب المعتاد وعندما حان وقت الكشف عن وجهها. رأى شيئا لم يسره البتة لم تكن هي الفتاة التي رآها مع الفتيات أثناء وجوده أمام إحدى الآبار، شعر أن كلماته جفت في حلقه وتسمر مذهولا وهو يبتلع ريقه وعيناه تكادان تقفزان من الغضب من وجهه شعر أنه خُدع … أحست زوجته أنه توقف عن الكلام وأن التغيير بدأ يطرأ على وجهه حاولت استمالته من جديد ليواصل كلماته التي تغري النسوة في الزمن المظلم قالت له اليوم كم في الليالي السود…؟ لم يملك جدي أثناءها إلا إجابة واحدة. أظن أنها الليلة الأولى من الليالي السود وخرج جدي ولم يعد يعرف له مكانا.

 إبراهيم بشير زايد…..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :