سالم أبوظهير
صدفة موفقة جعلتني أعثر على دراسة قيمة جداً ، أعدها المفكر السياسي الليبي البروفيسور علي عبد اللطيف احميدة، أصيل مدينة ودان في الجنوب الليبي. أنهى عبداللطيف دراسته الجامعية في مصر ، وانتقل للولايات المتحدة الأمريكية ليستقر فيها وينهي دراسة الماجستير والدكتوراة في أعرق جامعاتها. ويشغل البروفيسور علي عبداللطيف حاليا منصب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة نيو إنجلاند الأمريكية . وله كتب ودراسات وأوراق علمية، منشورة بالإنجليزية والعربية والإيطالية، وتحصل على عدد من الجوائز الأكاديمية العالمية، بفضل هذه المنشورات التي تهتم بتاريخ وسياسات دول شمال أفريقيا . في العام الماضي قدم البرفيسور على عبد اللطيف ، للجنة الإسكوا التابعة لهيئة الأمم المتحدة، التي تهتم بتعزيز وتطوير التنمية والتعاون بين دول العالم ورقة علمية من خمسين صفحة ، مذيلة بعدد كبير من المراجع ، وعنوانها (دراسة تمهيدية عن المجتمع في ليبيا: الواقع والتحديات والآفاق) وسوف أستعرض – في حلقتين- ، جزئية واحدة وردت في الجزء الثاني من هذه الدراسة، وعنوانها: ( المسألة الجنوبية والهوية الوطنية و الانتماءات المناطقية والقبلية). نوهت الدراسة بأهمية وحساسية مسألة الحدود الجنوبية لليبيا ، وكيف تتعرض هذه المسألة للتجاهل ، وكيف اختصرت قضايا الجنوب الليبي في الصراع القبلي والإثني بين الليبيين العرب والسود ،والتبو والطوارق. وأشارت الدراسة إلى أنه وفقاً لهذا السرد الاستعماري، فإن هناك فوارق كبرى ونزاعات مزمنة ، وتمييزاً متأصلاً بين المجموعات الإثنية ضد السود في ليبيا. كما تفترض الدراسة أن ” منطقة فزان الجنوبية كانت دائما مهمشة ، بسبب قلة عدد سكانها، وأنها ليست بأهمية المناطق الغربية والشرقية ، الأكثر ازدحاما بالسكان.
ثم تنتقل الدراسة لتوصيف تداعيات سقوط نظام معمر القذافي ، على الجنوب الليبي، فترى ” أن هزيمة نظام القذافي وما نتج عنها من حرب أهلية، أدت إلى نتيجة كارثية غير مقصودة، تمثلت في غياب الأمن، لا سيما نتيجة فتح الحدود الليبية في الشمال والجنوب” ويذهب علي عبداللطيف في ورقته مؤكداً على موضوع المسألة الجنوبية فيقول: إن” أمن الحدود الجنوبية يجب اعتباره ووضعه في المقام الأول، للحفاظ على الدولة الليبية.
وهذا الأمن، مع التعقيدات المحلية والنظرة السائدة إلى الجنوب، هو ما أسميه بـ “المسألة الجنوبية”. لكن، وللأسف، فهذه المسألة هي أبعد قضايا الأزمة الليبية عن الفهم والبحث، ليس فقط لدى محللي السياسات الغربيين، بل حتى بين النخب الحضرية في شمال البلد.
تستكشف هذه الدراسة في قسم آخر منها قضية الأبعاد السكانية، فتشير إلى أن معظم سكان فزان، مسلمو الديانة، ولكنهم من أعراق شتى، فبينهم العرب والطوارق والتبو.حيث يقطن الطوارق في أوباري وغات وغدامس وإدري ودرج، بينما يقطن التبو في القطرون، وتجرهي وأوزو والويغ والكفرة. قالت الدراسة : إن عدد سكان التبو في عام 1951م ، كان 300 نسمة ، فيما يتجاوز عددهم الآن 30 ألف نسمة. وأن معظمهم يعيش في شمال تشاد، وفي المنطقة الحدودية بين تشاد وليبيا. بينما أعداد الطوارق يقترب من 60 ألف نسمة ، وأنهم اندمجوا في البلد بدرجة أكبر من التبو، بسبب التزاوج مع بقية السكان. مشيراً إلى قيام نظام القذافي ، بتجنيد الكثيرين منهم في جيشه. وأشارت الدراسة إلى أن طوارق ليبيا يرتبطون بمجموعات الطوارق الأخرى التي تعيش في الجزائر ومالي والنيجر.
يتبع في العدد القادم ( حلقة ثانية: المناطقية والقبلية في الجنوب الليبي).