- أ :: عمر عبد الدائم
(في البداية احب لفت انتباه القراء الذين لا علاقة لهم بالقصيدة العمودية وخصائصها ربما وجدوا هذا المقال مملا)
منذ أيام وأنا في صحبة أبي العلاء ، كلّ مساء، من خلال ديوانه الشائق الشاهق ” سِقط الزّند”..
المعرّي ، شاعر الفلاسفة و فيلسوف الشعراء لا تستطيع أن تمرّ على قصائده مرور الكرام ، تستوقفك القصيدة .. فتتوقف عندها بالإشادة حيناً و بالدهشة أحياناً .. و تحاول أن ترتشفها بيتاً بيتاً..
في قصيدة اليوم والتي يرثي فيها المعرّي شخصا ما(ليس مهما من يكون) وتبدأ بقوله:
أودى ، فليتَ الحادثاتِ كفافِ ** مالُ المُسيفِ و عنبرُ المُستافِ
استوقفني بيتٌ بعينه في هذه القصيدة أعتبرته (محاضرةً قائمة بذاتها) وقد تخيلت المحاضرة بعنوان (بعض عيوب القصيدة العمودية) ، وقلتُ في نفسي كم هي مهمة هذه المحاضرة التي يعطيها لنا المعرّي في بيتٍ واحدٍ من قصيدته.
البيت يقول:
بُنِيَتْ على الإيطاءِ ، سالمةً من ال ** إقواءِ والإكفاءِ والإصرافِ
سأعود لشرح البيت ، بعد أن أخبركم بأن المعرّي قال في رثاء الفقيد (و هنا أرجو أن تُمعِنوا في توليد المعاني فقط) قال ، إنّ الطيرَ جميعها صارت أغربة لحزنها على الفقيد .. وقال أيضاً أن الغراب بسبب حداده عليه صارت قوادمه و خوافيه سوداً .. وقال ايضاً أنّ الغراب صار يرثي المتوفى بقصيدة طوال عمره وقد اختار حرف القاف لرويّها (يقصد حكاية صوت الغراب غاق غاق)..
ثم يقول المعري أن قصيدة الغراب الأبدية هذه:
بُنِيَتْ على الإيطاءِ ، سالمةً من ال ** إقواءِ والإكفاءِ والإصرافِ
وهذا هو بيت القصيد ..
فمعنى الإيطاء ، تكرار القافية بلفظها و معناها، ولا يخفى ما في هذا العيب من قبح إذا تكررت القافية بنفس الكلمة والمعنى ، وقد أجاز بعضهم أن تتكرر الكلمة بعد سبعة أبيات على الأقل..
والإقواء هو اختلاف حركة الرّوي بأن يكون بعضها مرفوعاً و بعضها مجروراً (ويقال أن النابغة وقع في مثل هذا في حكاية ” وبذاك أنبأنا الغرابُ الأسودُ”)..
والإكفاء يعني الاختلاف بالحروف ، كأن يكون الرّوي حيناً دالاً وحينا راء…
أمّا الإصراف فهو اختلاف حركة الرّوي بين الرفع والنّصب ….
وهو في كل هذا يريد أن يقول إنّ صوت الغراب واحدٌ لا يختلف…
ومع الشرح والأمثلة سيكون هذا البيت محاضرةً كاملة في التعريف ببعض العيوب التي قد تعتري القصيدة العمودية.
لله أنت يا أبا العلاء