المقارنات وفخ التدمير الذاتي ترجمة

المقارنات وفخ التدمير الذاتي ترجمة

ندى القطعاني

تُعد المقارنة بشتى تفرعاتها سلوك دارج بين البشر، إذ لا يكف الإنسان عن المقارنات التي ما تلبث أن توقعه في فخ التدمير الذاتي، فالمُقارِن عادةً لا يكتفي بما لديه من مال، جاه، أفكار أو قدرات، فتجده دائم البحث عمن هو أفضل منه -فاعتقاده- ليدخل في دوامة المقارنات التي لا طائل منها.

ولا تقتصر المقارنات على الأشياء المادية أو الهبات الربانية فحسب! بل قد تطال المشاعر في كثير من الأحيان، فترى المُقارِن يقتنص الفرص ليقارن مشاعره بمشاعر غيره، ليثبت في حال الفرح أنه أسعد من غيره بالأدلة والبراهين، وليثبت أن شعوره بالحزن يكاد يكون الأول والفريد من نوعه!

وهذا تمامًا ما فعلته الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون، إذ قامت في أحدى أهم قصائدها بمقارنة تفصيلية لمشاعر حزنها، متسائلة إذاما قاساها أحد قبلًا أم أنها مشاعر خاصة بكينونتها!

ولكن سرعان ما أدركت أنها مخطئةً، فلكلٍ حياته، ولكلٍ سبب وجيه ومختلف لحزنه! ولن تشعر أبدًا بما يمر به غيرها وإن ادعت ذلك! فأدركت إيميلي أن الحزن طبيعة فينا كبشر، وإن أختلف مصدره، مدته أو طبيعته، الأمر الذي جعلها تنتقل بخفة لغوية من أسلوب المقارنة الذي انتهجته بداية القصيدة:

 أقتاسُ حزن كل من أقابِل

متأملة،

و أتسائل!

أثقله كثقل أحزاني

أم أخف؟

إلى شعورها بالمواساة، وأن مجموعة كبيرة من البشر تقف على أرضيتها، بل أنها راضية تمام الرضى عن شعورها الغامر بالحزن، فذلك يشعرها بأنها مرت ببعضٍ مما مر به السيد المسيح.. 

“و بالرغم من أنني

ما زلتُ أجهل

 طبيعة الأحزان؛

إلا أنني وجدتُ العزاء

لمقاساتي بعضًا

مما قاسى

 السيد المسيح.

وجدتُ العزاء عندما

رأيتُ كل تلك الأحزان

و كيف يتعايش

 أصحابها معها.”

القصيدة كاملة:

أقتاسُ حزن كل من أقابِل

متأملة،

و أتسائل!

أثقله كثقل أحزاني

أم أخف؟

أتسائل!

عمّا إذا تحملوه طويلًا

أم أنه حزنٌ وليد؟

فأنا ما عدتُ أتذكر

حتى متى بدأ

و كأنه سرمدي!

أتسائل!

ما إذا كان التظاهر بالعيش مؤلمًا

أم أن هناك من يفضل الموت؟

فقد رأيت بعضًا

ممن يقتاتون على الصبر

يجددون إبتسامتهم

مثلهم كمثل مصباحِ إنارة

يشعُّ من بعيد

بينما يوشك وقوده

على النفاذ!

أتسائل!

عمّا إذا كان مضي الوقت

علاجًا لما تراكم من أحزان؟

أم أن الشعور بالألم مستمرًا

راميًا سنواتٍ من الصبر و التحمل

و موقظًا ألمًا أعظم حتى

 من ألم الحب.

الأحزان كثيرةٌٌ،

و أسبابها مختلفة،

قيل لي.

و الموت أحدها،

إذ يأتي فجأةً،

معلنًا النهاية.

و هناك حزنُُ

 سببه الرغبة

و الإشتياق!

و حزنٌ نابع من

فقدانك الشغف.

و هناك نوعٌٌ آخر؛

يدعى البؤس! 

و حزنٌ غامرٌ ينتج عن

شعورك بالغربة

، في بيتك

و بين أهلك!

و بالرغم من أنني

ما زلتُ أجهل

 طبيعة الأحزان؛

إلا أنني وجدتُ العزاء

لمقاساتي بعضًا

مما قاسى

 السيد المسيح.

وجدتُ العزاء عندما

رأيتُ كل تلك الأحزان

و كيف يتعايش

 أصحابها معها.

و ما زلتُ مأخوذةً

بتشابه أحزانهم بخاصتي!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :