المنشورة ما تعفن

المنشورة ما تعفن

  • عبدالرحمن جماعة

المنشورة ما تعفن..

لأنها واضحة، ظاهرة للعيان، لا يعتليها ريب، ولا يُداخلها شك، ولا يعتريها غموض، ولا يشوبها إلتباس، ولا تحتاج إلى تحليل، ولا تُساء بها الظنون!.

ولأن الدسَّ غبن، والإخفاء غش، والتدليس تضليل، ولا يُفسد الأشياء ويجعلها تتعفن وتخمج وتتسنه إلا توريتها وتغليفها وحجبها عن شمس الحقيقة!.

المنشورة ما تخمج..

هي المرادف لكلمة (شفافية)، وهي المعبر عن أوضح الوضوح، وأبين البيان، وأتمِّ الصراحة، وأنقى النقاء، وأصفى الصفاء!.

في قديم الزمان كان الحاكم يلقي بكيس النقود في وجه شاعر مدحه، ويُنفق بلا حدود على غواليه وغوانيه ولياليه الحمراء، دون أن تمر هذه الإنفاقات على مراقب مالي، أو أي جهة رقابية!.

لكن.. ومع وجود جهاتٍ رقابية، ومع وجود مراقب مالي في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة إلا أن الحاكم لا يزال هو هو، وطريقة الإنفاق لا تزال هي هي، لا فرق إلا في كيس النقود الذي تحول إلى صكٍ مُصدَّق!.

المشروحة ما تعفن..

عندما يعرف الناس لماذا صدر هذا المرسوم، ولماذا أتخذ الحاكم هذا القرار، ولماذا أنشأ هذا المشروع أو هذا الطريق، ولماذا شيَّد هذا المبنى، ولماذا عدَّه من أولويات حكومته، ولماذا أعرض عن البدائل الأخرى، وكم يكلف هذا الإنجاز، وهل المكاسب من المشروع تستحق كل هذه التكاليف؟!.

المشروحة ما تخمج..

عندما تؤدي وسائل الإعلام دورها في النشر والشرح والتوضيح، وفي تسليط الضوء على أفعال الحاكم وتقييمها بكل حيادية وشفافية، وعندما تكون هي عين الناس اليقظة، والرائد الذي لا يكذب أهله، والرقيب الأمين على تصرفات الحاكم ومخرجات الحكومة، وعندما لا يصبح الإعلامي مجرد طبال لا همَّ له سوى كيل المديح للحاكم والتغزل بجمال عينيه ورشاقة قامته ليتلقى أكياس النقود كما كان يتلقاها الشاعر في بلاط الخليفة!.

المنشورة ما تعفن..

عندما توجد مؤسسات مجتمع مدني تعي دورها وتؤدي عملها بالشكل الصحيح في توعية أعضائها ومنتسبيها بحقوقهم حتى لا تكون حقوقهم نهبة لكل ناهب، ولقمة سائغة لكل مغتصب، وملطشة لكل سارق، لأن الحق السائب يُعلِّم السرقة!.

المنشورة ما تعفن..

عندما يعي الناس أن المال العام هو مالهم، وأن ما يُعطيه لهم الحاكم ليس منَّة منه، ولا فضل له فيه، ولا يستحق المديح عليه، وإنما الفضل لهم أن اختاروه ليُدير لهم أموالهم وممتلكاتهم، وليسيّر وييسر لهم أمورهم، وهو يتقاضى أجراً على كل ذلك!.

المنشورة ما تعفن..

لأنها فوق الطاولة وليست تحتها، ولأنها في رابعة النهار وليست في جوف الليل، ولأنها في العلن وليست في السر، ولأنها واضحة بيِّنة جلية مكشوفة للعيان، ولأنه لا مكسوف مع مكشوف، ومن يركب الجمل لا يغطي رأسه!.

المنشورة ما تعفن..

وما دامت كل أمورنا بالدسِّ، وكل شؤوننا تتم في الخفاء، وكل قراراتنا على عماء، وما دامت الدولة تُدار من (المرابيع) ومن ردهات الفنادق واستراحات المسؤولين، وما دامت مصائرنا بيد من لا يرقبون فينا إلَّاً ولا ذمة، وما دامت أنوفنا قد اعتادت رائحة العفن، واستمرأنا طعم الفساد، واعتدنا على منظر الدود ينخر أركان بيتنا.. ما دمنا كذلك… فعلى الله العوض!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :