- عبدالمنعم الجهيمي
اسمي ابريدة من قرية صغيرة في الجنوب الليبي، ولدت قبل ثمانية اشهر، امي النعجة سايتا وهي نعجة رومانية كانت في احدى شحنات الأغنام الرومانية التي جاءوا بها إلى ليبيا في السنوات الماضية، وبيعت عدة مرات قبل ان تصل للقرية وتقترن بأبي الذي كان أكبر كباش القرية.
أنجبت امي اختي سينيتيا واخي ابريكاو الذي ذبح في زردة قبل اشهر، كروه من تحت أمه، لا أتذكره بس امي كانت تحكيلي عليه دوم، استغربت تعلقها بأخي رغم انها متعودة على حياة الفقد والذبح، لكنها كانت دائما تقول أن ابريكاو كان شديد الشبه بوالدها اكبر كباش بارغان في جنوب شرق رومانيا، اذكر ان اسمه غابرييل اوريس. أمي كانت نعجة شديدة الجمال قياسا بالنعاج المحليات في ليبيا، صوف كثيف وقوائم رقيقة وأذنين طويلتين، وعينان كبيرتان، كان صوتها كالنغمة لاتكاد تسمعه وسط ضجيج تلك النعاج القروية، اللواتي كن يحسدن أمي لجمالها.
ولكن اكتشفت ان الحسد لم يكن لجمالها بل لعزوف الناس عن ذبحها، هنا يحبون النعاج والمواشي الوطنية، وكانت امي غريبة عن البلد، وقلة من يتشجعون لذبحها، لذا لم يجد المبروك إلا ان يتركها بين نعاجه ويقرنها بأحد الكباش، فكان ابي الكبش الأوفر حظا او لنقل الوحيد في تلك الزريبة.
لم اظن أني سأكون ذات يوم في مدينة سبها، لطالما سمعت عن نعاجها وكباشها وزرائبها، كانت نعاج القرية يتحدثن دوما عن سبها، أظن أن تعلقي بسبها كان أكثر من تعلقي برومانيا، فقد كان من الوارد ان انتقل لعاصمة الجنوب كما يسمونها، ولكن لم احلم حتى بالعودة إلى بلد أمي.
الآن انا في في طريقي إلى سبها بيت عشرين رأس من الأغنام المحلية، ولا اعلم مالذي ينتظرني في تلك المدينة، ولكني متشوقة للقاء النعاج السبهاوبات واتوق لرؤية كباش بها، فقد سمعت عن قرونها الطويلة وصوفها الكثيف وحدة طباعها.
كانت الطريق إلى سبها طويلة، ولم اعرف المناطق التي نمر بها، حتى وصلنا إلى احدى القرى فصاحت نعجة شارفة كانت تقف ورائي، هذه غدوة!
التفت نحوها، ووجدتها تمد رأسها لتشاهد البلدة، تولد عندي فضول لمشاهدتها ايضا.لفت انتباهي قطيع أغنام يقطع الطريق وسط البلدة، اعجبتني الكباش التي كانت تسير ف القطيع وبانتظام، قلت إذا كانت كباش غدوة بهذا الجمال فكيف ستكون كباش سبها، كان هذا الفضول طبيعيا بالنسبة لي، لأني لم اشاهد كبشا سبهاويا قط.عبرنا غدوة ويعد اقل من ساعة اخبرتنا ذات النعجة الشارفة أننا قد وصلنا سبها، في اول المدينة كانت مزارع لم تختلف كثيرا عن القرية، ولكن كلما توغلنا نحوها تظهر لنا المباني والقلعة التي كانت بعيدة، اقتربت مني النعجة الشارفة….
نشوف فيك مستغربه، شكلك اول مرة تجي لسبها صح؟- ايه، خبريني عنها كأنك تعرفيها.- سبها هذي في أكبر زرايب في المنطقة الجنوبية، وما بتصدقيني إنك فيها ما بتشوفي الكباش السبهاوية زي ماتتوقعي،، لانها مليانا بالقبرصي والسوداني والشرقاوي والروماني والاسباني واجناس وسلالات مختلفة، لو دخلتي لي زريبة ممكن تلقي كبش واحد بس سبهاوي، والباقي كله من بره حتى النعاج.
في سبها احياء وبشر واجدين، حظك حلو كان طحتي في زريبة في الجديد لأن الناس غادي يكبدوا على غنمهم ومايذبحوا فيهن بشكل مستمر، كانش ف الاعياد زي توا ولا كان جاهم رئيس دولة أو مسئول، وقتها والله يذبحوك ويديروا عليك قصعة فتات ماتحكيش لعدوك عليها، غير هكي طيبين ويحبوا الرعي ويتباهو باعداد الغنم اللي عندهم.حظك مش كويس معناها بطيحي في زرائب المنشية، لان الحي هذا فيه زحمة كبيرة وناس واجدين، وديما عندهم مناسبات، ويذبحوا ف الافراح والاحزان، وحتى ف الايام العادية يذبحوا، وما يكبدوا على غنمهم، لكن مرات تلقي بينهم اللي ما يحب يذبح النعاج، فممكن تعيشي مقابل انك بتفقدي كبشك وصغارك، لكن الاجواء ف المنشية حلوة ديما في اكشن وحركة واحداث ما بتحسي بالملل زي كان نزلتي ف الجديد.
وايش خبر بقية الأحياء اللي في سبها؟- عندك بقية الاحياء تتراوح بين اقرب للجديد في الطبع مع الغنم وبين الاقرب للمنشية، بس بيني وبينك عشت فيهن الاثنين، تبي الحياة والحركة وكل يوم يختلف ع التاني عيشي في المنشية، تبي الكساد والرسميات تلقيه ف الجديد..
حسستيني اني نقدر نختار، احنا توا ماشيين ومش عارفين وين بننزلوا.سكتت النعجة الشارفة، ومددت رأسي كنا قد دخلنا للمدينة، شاهدت بنايات مدمرة وسيارات مفتوحة فيها غنم تدخل للمدينة معنا، سرحت وأنا افكر في مصيرنا وهل يذبحني احدهم هذا العيد او لا….قطعت النعجة الشارفة حبل افكاري.
ف العادة مايذبحوا في النعجة الا اللي يبدا حاله قاصر كونها ارخص من الكباش، اغلب الناس هنا مايحبوش النعجة، يحبوا يربوها ويذبحوا صغارها لكن هي تقعد، انا مشيت وجيت سبها اكثر من مرة وكل عيد نسحاب اخر عمري لكن معادش نندبح، الحسنة الوحيدة ان في كل جية ليا نتعرف على كبش جديد، لكن المرة هذي حاسة انها اخرتي.هنا توقفت الشاحنة فجأة في منتصف الطريق، دقائق وفتح الباب ورموا بيننا كبش صغير مربوط الأرجل……..
يتبع