الحقوقي : أحمد محمد بيوض
في التربية و التعليم.
في الربع الأخير من سنة 2020م؛ كان العالم لم يتعافَ بعد من تبعات وباء كوفيد- 19 (كورونا)، عندما عاودت المدارس نشاطها التدريجي وسط إجراءات احترازية صحية مشددة؛ تضرر قطاع التربية و التعليم بشكل مباشر جراء ذلك ، كانت عودة المدارس منسجمة مع عودة البشرية لنشاطها الطبيعي (العمل، الدراسة، النقل، الاجتماع، الاحتفال، الصلاة جماعة، النشاط الرياضي)
لم يكن ذلك سهلاً على الإنسان في مرحلة النضج، فما بالك بالإنسان في مرحلة الطفولة، الطفل الذي قضى أشهراً عدة في المنزل، جاء ذلك تجنباً لمخالطة إنسان آخر، باعتبار أن الإنسان الآخر مصاب “مفترض”، كانت عودة غير سهلة بالفعل
بلغنا في حينها عن تعرض أحد المتعلمين – بعد تطاوله على المعلم – إلى ضرب غير مبرح من المعلم نفسه داخل إحدى المؤسسات التعليمية، تلك الضربة لم تترك أثراً على جسده، و لم تفتح جرحاً، و لم تعطب طرفاً لا سمح الله، أحد أقارب المتعلم، تقدم بشكوى لدى جهات الاختصاص، أفاد فيها بأن الطفل تعرض لضرر نفسي جراء ذلك، كون الواقعة حدثت أمام زملائه و زميلاته بالصف المدرسي.
في عام 1992م؛ عقد قادة العالم – في ريود دي جانيرو – قمةً دولية؛ سميت بـ “قمة الأرض ” جاءت تخليداً لذكرى قمة ستوكهولم “للبيئة البشرية”، كانت قد مرت عشرون سنة على ذلك، في البرازيل؛ أكد الجميع على ابتكار أساليب جديدة للتعليم، لنصل بالمورد البشري إلى مرحلة “وعي” بضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية الكونية.
قبل ذلك، و في عام 1990م، سبتمبر بالتحديد، اجتمع أكبر عدد لزعماء العالم في نيويورك الأمريكية؛ فيما عُرف بقمة “الطفل العالمية” قمةً توافق فيها الجميع على ضرورة محو الأمية من البالغين و دخول الأطفال للمدارس، أكد المجتمعون كذلك على أنه لا تمييز فعلاً بين الذكور و الإناث في نيل حق التعلم.
فأما من منطلق أن “التعليم للجميع”، و استكمالا للجهد الدولي القاضي بتأكيد حق الإنسان في التعلم، أكدت دول العالم التي اجتمعت في العاصمة السنغالية في عام 2000م، على التزامها الجماعي بمخرجات إعلان “جومتيين،1990” المعززة لحقوق الطفل، و كذا بمخرجات المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993م، بوتقة كل ذلك؛ عُرفت بـ “إطار داكار”.
الشاهد، يتقيد حاملو الواجبات في قوانين حقوق الإنسان بضرورة ضمان منح الإنسان البالغ “طالب العلم” أو الطفل؛ بيئة ملائمة للتعليم، و الأدوات التي تفضي لذلك، فحتى بداية الألفية الجديدة، كان العالم مهموماً بالكيفية التي تؤدي لدخول كل الأطفال، دون تمييز؛ للمدارس، لكن ماذا يحدث داخل تلك الصفوف عن طبيعة التواصل بين المعلم و المتعلم؟ لا نصوص واضحة تنظم كل ذلك على المستوى الدولي، كأنها ظلت محلية الطابع، فبعض المجتمعات – ربما – تجيز التوبيخ لا التعنيف “بطبيعة الحال” و ذلك لتوجيه غير البالغ، و مجتمعات تحظر ذلك و تجرمه، و ثمة مجتمعات أخرى تركت كل ذلك، في ظل مشاكلها السياسية و الاقتصادية و الانقسام الاجتماعي بداخلها.
تعتبر ليبيا بلداً متقدما – مقارنةً بمحيطها – في سبيل حفظ حقوق الإنسان من خلال سنها لتشريعات و قوانين و قرارات كاستجابة للوقائع المتسارعة على الأرض، مع اكتسابها للطابع المدروس في إحاطتها بكل جوانب القضايا المطروحة على الرأي العام.
ما أريد قوله، إن المشتكي إن تقدم بشكواه لمراقبة التعليم بالبلدية، الموجودة فيها المدرسة، قانوناً، يكون المشتكي قد توجه فعلا لمكان مناسب رجاءً منه في أن تتم معاقبة المعلم، و إدارياً تبقى مراقبة التربية و التعليم هي القناة الرسمية الأولى لهكذا مسائل تستدعي العجلة في حل التعقيدات، كونها تخضع مباشرة لوزير التعليم.
إن حاملي الواجبات في قوانين حقوق الإنسان – و بدون الطعن في القرارات الحكومية أو حرف مسار الخطط الموضوعة من جهات الاختصاص أو غير ذلك في حال الالتباس – ربما يكون لديهم علاج آخر لهكذا نمط من المسائل، و لكن على ماذا يستند؟ فالقوانين الدولية تركت الباب موارباً للمجتمعات في تحديد شكل حلحلة المسائل من هذا القبيل، من هنا تظهر الحاجة إلى ميثاق – وطني أقله – يؤطر هذه “المسألة” حتى لا نقول إشكال على المستوى الحقوقي.
فالحقوقي سواء كان مستقلاً أم مكلفاً بمهمة رسمية من الدولة، تهمه قيمة الإنسان في الحالتين (معلّما و متعلما)، و بكل تأكيد هذا يهم الإدارات بوزارة التعليم أيضاً، لكن هل تم طرح عدة أسئلة افتراضية أخرى؟ منها؛ ماذا لو تهجم متعلم على معلمهِ و العقاب كان خصم بضع درجات في مادة المعلم ؟ أم هل التوجه نحو فصل المعلم من عمله في ذات السياق؛ فعلاً يمكن أن يعيد الحقوق لأهلها و يحقق الإنصاف ؟ و في المقابل هل يحق للإنسان أن يوبخ إنسانا آخر أصغر منه سناً بدعوى أن الأعراف – ربما – تجيز ذلك ؟
بالمحصلة؛ لا أحد يدعو للتمرد أو للتطرف في هذا المجال؛ لكن حتى تتم الإجابة على هذا النمط من الأسئلة؛ يتطلب من الحقوقي و المسؤول، التكاثف لوضع لبنة لميثاق وطني (تربوي) لحقوق الإنسان؛ يستدل به حامل الواجب في نفاذ قوانين حقوق الإنسان “الوطنية” فمسائل التربية و التعليم؛ من أكثر المسائل حساسية في ميدان النقاش، فمخرجات هذه المؤسسات إما أن تخدم أو تعرقل مشاريع التنمية المستدامة للدول.