اِلتفاتة

 اِلتفاتة

  • نورا عثمان

(١)

أغمضتُ عيوني وعبرتُ الشارعَ -مُكتظًّا بالعرباتِ- بخفّةِ طيرٍ،

هل كان صراخُكِ باسمي يمكنهُ أن يُثنيني؟!

سأموتُ اليومَ، الآنَ،

ويا صاحبتي، قد كنتُ أحبُّكِ حقًّا.

(٢)

تنقسمُ خلايانا في رَحِمٍ،

قَبوٍ معزولٍ، رطبٍ، مظلمْ

بعيونٍ مُغلقَةٍ قسرًا

أنتظرُ هبوطي،

أصواتٌ شتّى قرعتْ قربَ دماغي

تنهيدةُ تعبٍ كانتْ أحلاها

كنتُ سأفتحُ عيني -لو أمكنني- لأراها

يا صاحبتي، صوتُكِ أيضًا يشبهُ ذاكَ الصوتَ المُلهِمْ.

(٣)

هل حدّثتُكِ عن وسواسي القهريِّ؟

وهل حدثتُكِ عن هذياني؟ عن ولعي بالضوءِ؟

وعن رغباتٍ حارقةٍ أن أرفعَ عينيَّ لقرصِ الشمسِ

إلى أن يذهبَ بصري؟

ما أشقى رُوحي، فقدتْ في مُنعَطَفٍ خَطِرٍ مكبحَها

يا صاحبتي، كم يتربصُ عقلي بي!

(٤)

ماءٌ مغليٌّ يتدفّقُ فوقَ الجلدِ العاري،

وأنا أغسلُ عيني المفتوحةَ بالصَّابونِ،

وأقبعُ تحتَ لهيبِ الماءِ الساخنِ..

يا صاحبتي، لو أمكنني لأرَيْتُكِ هذا:

أتقشّرُ حتّى آخرِ طبقاتِ وجودي في حوضِ استحمامي!

(٥)

عندَ البحرِ تحومُ طيورٌ جارحةٌ،

تبصرُ عن بعدٍ، وتشمُّ دماءً تجري مِن شرياني المقطوعِ

ويا صاحبتي، لا بأسَ

فقد أنقذني الناسُ الحمقى

ونجوتُ لأرثيَ ذاتي.

(٦)

هل أظهرُ حانقةً؟

هل أظهرُ هادئةً؟

هل أظهرُ عاقلةً؟

كلُّ الأوراقِ اختلطتْ في ذهني

وبكُلّي أرتعشُ كفرخٍ سقطَ مِن العُشِّ بيومٍ شتويٍّ.

هل كانَ صراخُكِ في وجهي يمكنهُ أن ينقذني؟

هل كانَ رحيلُكِ غاضبةً سيغيّرُ من حالي شيئًا؟

يا صاحبتي،

في تلك اللحظةِ مِن تعبي وجنوني، ما أحوجني لعناقٍ

لكنكِ لم تلتفتي نحوي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :