ثورة الجياع

ثورة الجياع

قال علي الوردي : “الفقير الجائع يكاد لا يفهم الحقيقة الا على شكل رغيف!

غالبية الأسر ليبية لم يتلقى رب الأسرة فيها معاشه منذ 4 ~ 8 أشهر، وحتى بالنسبة لهؤلاء الذين لديهم أرصدة في المصارف فلا يتمكنون من السحب منها لعدم وجود السيولة الكافية و يعانون في الوصول إليها، وارتفاع أسعار السلع نتيجة لانخفاض سعر الدينار أمام الدولار وتدهور أسعار النفط وانهيار إنتاج ليبيا من المورد الاقتصادي شبه الوحيد للعملة الصعبة والدخل في ليبيا – كل هذه العوامل الإقتصادية إضافة إلى الفوضى السياسية العارمة والصراع الأناني على السلطة والانقسام الاجتماعي وانعدام الشعور بالأمن والبيئة الخصبة لترعرع الجماعات الإرهابية المتطرفة وشبح التدخل العسكري في ليبيا.

كل ما سبق لا يكفي برأي معارضي حكومة الوفاق (على اختلاف مشاربهم وأهوائهم) للشعور بالقلق على مصير ليبيا ولا يدفعهم لتقديم التنازلات من أجل إنقاذ ليبيا وشعبها من براثن الجوع!!


قال ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا في تعليقه عن إجراءات حكومية سالبة لبعض حريات المواطنين على إثر تعرض بلاده لهجمات إرهابية ما يلي :

“عندما يتعلق الأمر بأمن بلدي، فلا يحدثني أحد عن الحرية”

يا سادة، عندما يتعلق الأمر بأمن وغذاء المواطن في بلدي، فلا يُحدثني أحد عن الحرية ولا عن الثورة، وبالمناسبة (لهؤلاء الذين يعشقون المقارنة) في الثورة الفرنسية “ثورة الجياع” وبعد نجاح الثوار في الإطاحة بالأسرة الحاكمة وشاعت الفوضى والإعدامات وانتشر الجوع وما عُرف بطغيان الثوار، وفقد المواطنين أمنهم وغذائهم .. ضحوا بالحرية والثورة والثوار، لاستعادة البلاد وسلموا الحكم طواعية إلى حاكم مستبد أطلق على نفسه لقب “الإمبراطور” – نابليون بو نابرت – ولذى فمن الطبيعي للشعب الليبي أن يتمسك بأي مخرج يلوح في الأفق مهما كان صغيراً وبعيد المنال، أو حتى لا يُلبي كل الطموحات والتوقعات التي خالجتنا إبان ثورتنا على “الدكتاتور”، وبالمناسبة فالشعب الفرنسي لم يتخلى عن مبادئ ومكاسب الثورة وما يزال يعتز بها وحقق في نهاية المطاف ما خرج من أجله (الحرية والإخاء والمساواة) فالتاريخ يخبرنا أن الشعوب تنجح في النهاية.

حكومة الوفاق أو الشراكة في الحكم لا تُمثل الحكم الديمقراطي، فتشارك كل الأحزاب في الحكم في حكومة واحدة هو وصفة مثالية للفساد ولا يُعطي إلا جسم مشوه بعدة رؤوس، وليس لدينا أي أوهام في أنها لن تكون حومة إنجازات وستكون بلا شك حكومة التعطيل أو الحرد على الطريقة الليبية التي رائينا بوادرها قبل حتى استلامها للحكم، ونرجح أن تكون حكومة الفساد السياسي والمالي والإداري بامتياز على النحو الذي نشاهده في حكومات (لا غالب ولا مغلوب) في العراق ولبنان وحتى في ليبيا إبان حكم علي زيدان – فكل الأطراف شريكة في الحكم ولا وجود لمعارضة حقيقية داخل الجسم التشريعي والرقابي المناط به محاسبة الحكومة، ولذا علينا معرفة أن الديمقراطية الحقيقية هي في التداول على الحكم وليست التشارك في الحكم.

وبعد كل ما ذُكر، نؤكد أننا في ليبيا لا نملك رفاهية الوقت ولا حتى حرية الاختيار بين أن نقبل أو لا نقبل بحكومة الوفاق والمماطلة التي يمارسها من يُعطلون الحل السياسي في ليبيا، ليس إلا مراهقة سياسية وسعي محموم للحصول على مكاسب في بلد مهدد برمته بالغرق في فوضى ثالوث الشر (الجوع والفقر والجهل) وما ينجم عنه من توفر بيئة حاضنة للفساد بكافة أشكاله وأحجامه وشرور الإرهاب العابر للقارات.

لا أحد يمكنه أن يتنبأ بتوقيت نفاذ صبر المواطن الليبي – ولا كيفية ومكان إنفجار ثورة الجياع القادمة لا محالة في حالة استمرت فصول المهزلة السياسية، ولكن المعروف هو وجهتها وضد من ستكون، فكل من تصدروا المشهد السياسي والإعلامي والمليشياوي في الخمس سنوات الماضية عليهم أن يتحسسوا رقابهم وأن يكونوا جزء من الحل .. وإلا فليتعظوا بمصير “القذافي” قبل فوات الأوان.

حسن منصور الوافي

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :