نهى عاصم
غلاف رقيق به سحابات زرقاء وسوداء وعدة زهرات وسياج وبالخلف كلمات من الرواية عن وفاة جد البطلة هو ورفاقه في يافا -في عام النكسة- دفاعًا عن أرضهم.. أما الجدة فقد انتقلت إلى المخيم وصنعت صندوقًا خشبيًا صغيرًا احتفظت بداخله بكنوزها البسيطة وورقة موقعة باسمها واسم الجد تثبت أن لها أرضًا في بلدتها”يافا”.
أغلبنا يكتب في روايته أن العمل من الخيال ولا يقصد به التشابه أشخاص بعينهم ولكن ثورة – اسم لصاحبته نصيب منه – فقد صرحت بأن العمل واقع “وأي تشابه بين الأحداث والواقع هو تشابه مقصود مع سبق الإصرار والترصد”
وتهدي عملها لغسان كنفاني واعدة إياه بأن الثورة الفلسطينية مستمرة دائمًا..
وبعد كلمة الشكر لروح واحدة تعرف نفسها،ندخل إلى المشهد الأول حيث وضعت الكاتبة كلمات تعريفية ثم عنونت المشهد ب:
“عائشة الحفيدة”..
“على الله تعود” مقولة أم مرزوق جارة المخيم التي تنتظر زوجًا غائب ..رغم الواقع كما تقول الأديبة:
“من كان باستطاعته اليوم أن يعود لا يعود، فما بالها بمن لا خبر عن عودته”؟!
الجدة عايشة أرملة في السابعة والعشرين من عمرها ومعها طفل أطلقت عليه اسم “شهيد”
تعمل في رحلتين للشتاء والصيف شمالًا حيث قطف العنب والعيش عليه كغذاء وجنوبًا حيث قطف الزيتون والعيش على زيته وبيعه عند الحاجة.
الرواية متعددة الأصوات: الابنة، الجدة وصديقتها، الأب، الأم، صديقة الابنة وغيرهم ثم نعود للابنة وكأنها رواية دائرية..
وجاء صوت داوود اليهودي وعائلته وصديقته وصديقه عيسى الفلسطيني المسيحي فكرة عبقرية من المؤلفة يدل على إبداعها ..
الأسماء لها دلالات خاصة فهي فلسطينية الهوى: شهيد، عروبة، وطن، فناء..
يالها من تعبيرات جميلة لا يتسع لها مقالي هذا إذ أنني قد أنقل لكم غالبية العمل..
ولكن لنرى وصفها لقلم الكحل الذي ما زين عينيها ولكنها استخدمته على جدار المخيم لتخط به كما تقول:” ما لا يستطيعه الزمن تغييره أذا ما عدت يومًا طفلة في غرفة هذا المخيم”..
أو حين تكون في الحبس الانفرادي في سجون الاحتلال وتتسائل حينما يزجرها الحارس انهم بعد منتصف الليل:
“ما كنت لأعرف الوقت، وكيف تدور الأرض وأنا راسخة في مكاني؟! ما توقعت أن ينتصف الليل على ذات الجسد والروح المعلقتين على مشجب الانتظار. هل يحق للحارس الذي يتابع هذه التراجيديا اليومية أن ينام، وأنا هنا لا أستطيع استقبال النوم لنصف ساعة؟!.
أو حينما تذهب لاستخراج تصريح لزيارة الأراضي المحتلة قائلة:
” كنت أريد أن أزور قبر جدي الذي لم يدفن، أعرف جيدًا أن كل فلسطين قبره، من البحر إلى البحر مسكنه”.
وحين يرفض طلبها.تكفكف الجدة دمعها قائلة:
“لم يخلق الفلسطيني ليكسر”.
وصفت الجدة ابنها شهيد وتلقيه للعلم بقلم رصاص وحيد بلا ممحاة قائلة:
“كان يكتفي بالمعرفة الصحيحة التي لا تحتمل الخطأ، الخطأ كان معدومًا أو غير مسموح، لأنه بحاجة لأن يشتري ما يمسحه به، والمال ليس صديق الذين يطمعون في العلم”..
“فلسطين خنجر موسوم لمن تواطأ ويتواطأ مع الكيان الصهي و ني”..
يقول الأب شهيد الذي يعيش مع ثلاثة أجيال من النساء:
” الخوف يسقط، والحب يسقط، أي شىء يسقط، إلا الرفض.. فقط هو الذي يبقى”
وبسبب هذا الرفض فإن جنتهم”فلسطين” لم ولن تسقط تفاحتها..