حسين مازق وتجنب اللعبة الخاسرة

حسين مازق وتجنب اللعبة الخاسرة

  • شكري السنكي

مقالة اعجبتني، فأحببت مشاركتكم إياها، كتبها الأديب والناقد والصحفي المخضرم أمين مازن، عن السّياسي البّارز وفقيد الوطن الكبير حسين يوسف مازق (26 يونيو 1918م – 12 مايو 2006م)، ولي برقة من مايو 1952م إِلى أكتوبر 1961م، ورئيس وزراء ليبيا من بين العام الخامس والسابع والستين من القرن الماضي.

مقالة لفتت انتباهي، وقلم تعودت على متابعة كتاباته باهتمام، الأستاذ أمين مازن – أطال الله في عمره – المولود في 1937م والذي بدأ مسيرته في عالم الأدب والصحافة والإذاعة منذ أكثر من ستين عاماً، فكتب في مجلتي «الرواد» و «الإذاعة»، وصحيفة «الميدان» التي ترأس تحريرها كبير الصحفيين اللّيبيّين المناضل الراحل فاضل المسعودي، وبعدها صحيفة «الأسبوع الثقافي»، ثم مجلّة «الفصول الأربعة»، بالإضافة إِلى مساهماته السمعية التي عرفها متابعوا الإذاعات اللّيبيّة عبر سنين طويلة.

وما دفعني أكثر لإعادة نشرها في صفحتي بالفيسبوك، هو إعجاب الأستاذ سليمان مصطفى منينـة بمقالة أمين مازن المعنونة بـ«حسين مازق وتجنب اللعبة الخاسرة»، وتسجيله لإضافة مهمّة، أو تذكيره بمحطّات أخرى في حياة حسين مازق.

وعلاوة على أن سليمان منينـة صهر الفقيد حسين مازق، وأقرب الأشخاص إليه العقود الثلاثة الأخيرة من حياته، هو شخص مثقف وملم بجوانب كثيرة من التاريخ الِلّيبيّ خصوصاً مرحلة حكم الرَّاحل إدريس السنوسي ملك ليبيا والأب المؤسس لدولتها الحديثة، ومهتم بالأرشفة والتراث الأدبي والثقافي، وموثق لزمن الفن الجميل.

• مقالة أمين مازن

حسين مازق وتجنب اللعبة الخاسرة

خصت الشاشة الصغيرة في برنامجها المكرس لأعلام الوطن المعاصرين، السياسي البارز السيد حسين مازق الذي رحل من دنيانا في العام السادس من هذا القرن، بعد حضور بارز بلغ أقصى درجاته في رئاسة الحكومة الِلّيبيّة بين العام الخامس والسابع والستين من القرن الماضي، ومع التقدير الكامل للنبذة التي أعدت عن الراحل، نرى أن واجب الإنصاف يوجب تقديم ما لدينا من الإضافة التي لا تقلل مما قُدِّمَ ولكنها تزيد المعلومة، فنقول بأن السيد حسين مازق قد جاء من باب اجتيازه امتحان أول مسابقة أجرتها السلطات الإيطالية لتعيين من أطلقت عليهم كُتّاب الأشغال العربية والتي نجح فيها عديد الأسماء المجايلة لمازق عمراً وأهليةً على الأرجح، وقد جاء ترتيب السيد مازق يومئذ متصدراً القائمة كما نشرت صحف ذلك الزمان. إنها القائمة التي اعتدّت بها السلطات البريطانية التي قامت بليبيا عقب هزيمة إيطاليا وحلفائها في المحور وقيام الإدارة البريطانية في برقة وطرابلس وفرنسا بفزان، عندما اتخذت منهم نواة للإدارة الجديدة التي ترأسها في طرابلس «ترافرز بلاكلي»، وفي برقة «ديكاندول» أو غيره، فمن هناك واصل حسين مازق ليتنقل بين الوظيفة والأخرى مؤكداً في الغالب الأهلية تلو الأهلية بحيث لم تعلن دولة الاستقلال إلاّ وكان مازق على رأس المرشحين لشغل أرفع المناصب، ويومئذ وقع اختيار الملك إدريس السنوسي عليه ليتولى منصب والي برقة وإلى جانبه وسعي منه دون شك السيد محمود بوهدمة رئيساً للمجلس التشريعي وونيس القذّافي لرئاسة المجلس التنفيذي، فنلاحظ أنه قد أعطى الأولوية لمهمته، حتى أنه اعتذر عن حضور افتتاح أول برلمان لانشغاله بالإعداد لافتتاح المجلس التشريعي البرقاوي، فإذا ما باشرت دولة الاستقلال مهامها لإدارة شئون البلاد، كان الرجل خير مدافع عن صلاحياته الدستورية وحقوق ولايته.

كما ضرب مثلاً متفرداً في القدرة على تفادي العواصف الناتجة عن صراع مراكز القوة حول مخلفات العدو، وحُمّى المنافسة بين السيدين عبدالله عابد وبلقاسم أحمد الشريف، والتي أدَّت ضمن ما أدَّت إلى وقف الوالي عن مهامه ومثله السيد عبدالله عابد، إنه الصراع الذي انتهى إِلى اغتيال ناظر الخاصة الملكية إبراهيم الشلحي وهجر الملك إدريس مدينة بنغازي لصالح البيضاء من دون حكم دستوري يبرر الموقف، لقد خرج مازق من كل تلك المصاعب دون أن يحسب عليه أي موقف، اللهم إلاّ ما روته الوثائق البريطانية منسوباً لبعض من كاشفوا البريطانيين عن ملاحظاتهم بشأن المرحلة التي انتهت بإلغاء الولايات واختيار السيد مازق وزيراً للخارجية بحكومة محمود المنتصر التي خلفت حكومة محي الدين فكيني وحوادث 13 و 14 يناير 1964م الشهيرة، حيث نهض بحقيبة الخارجية إِلى أن آلت إليه رئاسة الوزارة بالعام 1965م وبقائه حتى السابع والستين، واندلاع حرب الأيام الستة وحذره من استعمال القوة ضد أعمال الشغب، ربما لثقته بأن كل من يستعمل العنف لابد أن يذهب ضحيته، فقد خرج مازق من رئاسة الوزارة دون أن يوصف بأي نعت يشينه، وظل بعيداً إِلى أن سقط النظام الملكي، فكان بين الذين مثلوا أمام المحكمة ضارباً أعلى مثل في التماسك والرد الهادئ المقنع والجلوس الذي يوحي لمن يراه بأنه يجلس على مقعد المسئولية وليس المساءلة، فإذا ما قُدِّرَ له أن يقضي العقوبة ويحويه مجلس العقيد معمّر القذّافي ويحرص هذا الأخير على الاعتذار عن الأمثال التي كثيراً ما تحمل اسم حسين مازق، معتقداً أي العقيد أن مازق سيتسامح، فما كان من السيد حسين إلاّ أن قال “بزيادة، شوفوا غيري” ولم يطلب سوى السماح له بالسفر للعلاج على نفقته الخاصة، فتم له ذلك وبقي حيث هو في بيته في مدينة بنغازي الذي لم يغيره أبداً حتى خرجت منه جنازته بالموعد الذي أشرنا إليه، ومع أن الحديث عن هذا الرمز يطول، إلاّ أنه يمكن أن يوجز بالقدرة على ضبط الانفعال والوصول إلى المطلوب عبر التلميح وليس التصريح، والحرص على الاستماع أكثر من القول، وهو في النهاية خير من يتجنب اللعبة الخاسرة. ويكفي السياسي فخراً أن يكون كذلك.

بقلم: أمين مازن

الصفحة الشخصية بالفيسبوك

السبت 17 رمضان 1444 هجري

الموافق 8 أبريل 2023م

• تعليق سليمان منينــة

مقال جيد جدَّاً.. ولو أنه تنقصه بعض المعلومات، أو ما نرى من المهم أن يُذكر. تولّى الراحل حسين مازق قبل منصب والي برقة، مناصب عدة في حكومة إمارة برقة، فكان وزيراً للزراعة ثم الداخلية وبعدها المعارف. كما تولى ناظر الداخلية فى ولاية برقة قبل ولاية الولاية.

هذا، وكان لحسين مازق موقفاً مهماً أثناء مباحثات الجلاء، ووقتما كان وزيراً للخارحية، حيث كان مصراً على المضي قدماً في تحقيق الجلاء في الوقت المحدد، مستأنفاً جهود مَنْ سبقوه، الأمرالذى جعل الأمريكان يشكون منه للرئيس جمال عبدالناصر !. هذا الموقف، وهذه الحادثة لم يسمح له بذكرها أثناء محاكمته من قبل الانقلابيين.

فى سنينـه الأخيرة حاول معمّر القذّافى تتودد إليه وتقرب منه، وعرض عليه العلاج فى الخارج – وأكثر من مرَّة، وعلى نفقة الدولة – لكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً. وفي مناسبة أخرى، عرض عليه منحه مرتب إضافى على تقاعده، والبالغ «370» دينار فقط، ولكنه رفض هذا العرض أيضاً.

وبعد وفاته مباشرة، أرسل معمّر القذّافى شيك تعزية بمبلغ «خمسين ألف» دينار، لكن أبناؤه رفضوا قبول المبلغ.

أخيراً، تجدر الإشارة إِلى أن حسين مازق هو المسؤول الوحيد فى عهد المملكة الذى استمر فى منصبه حوالي عشر سنوات، في منصب والي برقة ومن أبريل 1952م إِلى أكتوبر1961م.

سليمان مصطفى منينـــة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :